التربية بصيغة التأكيد
معمر حبار
حين يعود المرء 40 سنة إلى الوراء ليستنطق الزمن، ويستحضر الأيام، يتذكر جيدا الأيام الأولى التي تعلّم فيها الصلاة على أيدي شيوخه، رحمة الله عليهم.
وحين يعود المرء لأمر بعد مرور أربعة عقود وتقريبا ثمانية، فهذا يدل على تأثره العميق، وأثر ذلك الأمر على كل نواحي حياته. ومازال الطفل يفتخر، بكون الصلاة التي كان يصليها وهو ابن سبع سنين، هي نفسها التي يصليها وهو إبن 47 سنة.
قيل له يومها، صلي على هذا الشكل مااستطعت، واطمئن دون إفراط، وادع لوالديك وللمسلمين، واخفض من صوتك، ووسّع على غيرك، وداوم على صلاة الجماعة في المسجد، وقلّد الإمام فيما يقوم به، فهو يحمل عنك. وصلي خلف الصفوف التي الكبار. وكانوا في كل مرة يقولون له، إذا استطعت فقم بهذه الحركة، وإن لم تستطع فلابأس عليك. واستمر على هذا الأدب، فكان احترام الكبير رداءه، وتوقير الآخر سيرته.
وبعد مرور الأيام والعقود، قرأ وطالع، فوجد أن الذي تعلّمه في الصغر هو نفسه الذي قرأه في الكبر. فحمد الله على تربية الصغر، وظل يدعو لمن علّمه إلى الأبد.
صباح هذا اليوم حدّث معلّمة الروضة، عن حديث لقّنته الأطفال، يقول فيه سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقّر كبيرنا ". فقال: إن الطفل في مثل هذا السّن يلقن بالتأكيد لا بالنفي، لأن النفي ينفي الفكرة. فكان عليها أن تبدأ بـ: " الرَّاحمُونَ يَرحمُهُم الرّحمنُ ارْحَموا مَنْ في الأرض يرحمْكُم من في السَّماءِ ". "تبسمك في وجه أخيك صدقة". "مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه". " وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنْ الْإِيمَانِ". ومثل هذه الأحاديث بصيغة التأكيد، تغرس في الطفل حب الفضائل والسعي لها.
ومنذ 10 أشهر، قرأ صاحب الأسطر، كتاب: "كلمات نقتل بها أولادنا، لاتقلها أبدا"، للأستاذين الزوجين، جوزيف وكارولين ميسينجر، ترجمة الأستاذ ألڨيرا عون، شركة دار الفراشة، بيروت، لبنان، 2008، من 320 صفحة. ينصح فيه الكاتب الأهل أن يتجنّبوا التحدّث مع أبناءهم بصيغة النفي، ويؤكد على صيغة التأكيد في الحوار مع الأبناء، ويعطي أمثلة ويقول: إذا قلت للإبن، احذر أن تلطّخ وتفسد ترتيب ونظام البيت، فإنك ستجده في أسوء الحالات أثناء عودتك. لكن إذا طلبت منه بصيغة التأكيد، أن يرتب البيت وينظفه، فإنك ستجده في أحسن الأحوال، حين عودتك للبيت.