نظارات في العلاقات التشاركية
تُعَدُّ مُشَارَكَةُ الْفَرْدِ الصَّالِحِ فِي بِنَاءِ عَلَاقَاتٍ تَشَارُكِيَّةٍ مُجْتَمَعِيَّةٍ وَاجِبَةَ الضَّرُورَةِ ، لَا يُسْتَغْنِي عَنْهَا فِي صِنَاعَةِ اَلتَّنْمِيَةِ الْمُسْتَدَامَةِ ، بَلْ الْمُشَارَكَةُ تُعَدُّ دَلِيلَ نُضْجٍ وَ رُقِيِّ وَعْيٍ مِنْ الْأَفْرَادِ وَ النُّخَبِ الْمُجْتَمَعِيَّةِ ، حِرْصًا مِنْهُمْ عَلَى الْمُشَارَكَةِ الْإِيجَابِيَّةِ فِي الْمُجْتَمَعِ ، وَ عَلَى الْجِهَاتِ الرَّاعِيَةِ أَنْ تُقَدِّرَ قِيمَةَ هَذِهِ الْمُشَارَكَةِ اَلطَّوْعِيَّةِ كَشُرَكَاءَ فِي مُجْتَمَعٍ مُتَسَاوِي الْحُقُوقِ وَالْوَاجِبَاتِ .
وَقَدْ أَثَّرْتُ الْحَدِيثَ عَنْ هَذَا الْمَوْضُوعِ لِمَا لَهُ مِنْ أَهَمِّيَّةٍ ، فَالْوَاحِدُ مِنَّا لَا تَسْتَطِيعُ فَهْمَ طَبَائِعِ النَّاسِ حَتَّى تُعَاشِرَهُمْ ، وَ تَقْضِيَ مَعَهُمْ السَّاعَاتِ الطِّوَالَ ، وَ تُقَاسِمَ مَعَهُمْ الْمُهِمَّاتِ ، وَ تَحْمِلُ مَعَهُمْ الْأَثْقَالَ ، وَتُشَارِكُهُمْ السَّهَرَ الطَّوِيلَ .
لِهَذَا لَا نَسْتَطِيعُ الْحُكْمَ عَلَى الْعَلَاقَاتِ الظَّرْفِيَّةِ أَوْ الْمُنَاسَبَاتِيَّةِ لِتَشْكِيلِ رُؤْيَةٍ وَاضِحَةٍ لِلشَّرِيكِ ، فَلَا يُمْكِنُ بِحَالٍ بِنَاءُ مُشَارَكَةٍ نَفْعِيَّةٍ تُبْنَى عَلَى التَّمَلُّقِ وَالْمُجَامَلَةِ أَوْ الْمُحَابَاةِ ، وَلَا تُبْنَى عَلَى حِسَابِ الْكَفَاءَةِ الْمِهْنِيَّةِ أَوْ الْخِبْرَاتِ الْحَيَاتِيَّةِ ، فَأَسَاسُ هَذِهِ الْعَلَاقَاتِ التَّشَارُكِيَّةِ أَنْ تُبْنَى عَلَى الْمُكَاشَفَةِ وَوُضُوحِ الرُّؤَى .
عَنْ تَجْرِبَةٍ وَجَدَتْ كُلُّ عَلَاقَةٍ تَشَارُكِيَّةٍ لَا تُبْنَى عَلَى الصِّدْقِ لَا يُكْتَبُ لَهَا النَّجَاحُ وَلَوْ اسْتَمَرَّتْ الْعَلَاقَةُ لَا يُكْتَبُ لَهَا الدَّيْمُومَةُ ، بَلْ تَعْبُرُ الْعَلَاقَةُ كَالسَّهْمِ الطَّائِشِ مِنْ الْقَوْسِ فِي غَيْرِ اتِّجَاهِ الْهَدَفِ ، فَالصِّدْقُ يَمْنَحُ الْعَلَاقَةَ عُمْرًا إِضَافِيًّا .
وَلَا يُمْكِنُ لِلْعَلَاقَاتِ التَّشَارُكِيَّةِ أَنْ تُحَقِّقَ أَهْدَافَهَا إِذَا اهْتَزَّتْ الثِّقَةُ الْمَمْنُوحَةُ لِلشَّرِيكِ ، فَلَوْ تَسَلَّلَتْ الرِّيبَةُ وَ الشَّكُّ فِي هَذِهِ الْعَلَاقَةِ التَّشَارُكِيَّةِ ، فَسَوْفَ تُصْبِحُ تِلْكَ الْعَلَاقَةُ مُهَدَّدَةً ، فَعَامِلُ الثِّقَةِ مُهِمٌّ فِي نَجَاحِ المشاركة النفعية بين النسيج المجتمعي أو المؤسسات و الشراكة المجتمعية .
كما يعد استغلال العلاقات المصلحة دون النظر لقيمة العلاقات التشاركية التي من دعائم استمرار وصالها ، المشاركة التشاورية ،و قبول النصح و الرأي الصائب ، وفتح المجال لها للتغبير عن طموحاتها المشروعة في المسائل التي تقبل المشاركة التعاضدية .
وَقَدْ وَجَدْتَ لَفِيفًا مِنْ الشُّرَكَاءِ يُهْمِلُونَ دَوْرَ التَّعْزِيزِ الْإِيجَابِيِّ فِي الْعَلَاقَةِ التَّشَارُكِيَّةِ ، كَمَعْرِفَةِ فَضْلِ الدَّاعِمِ وَ الْمُشَارِكِ فِي مَشَارِيعِ الدَّعْمِ النَّفْعِيِّ ، فَغَالِبٌا نَجِدُ بَعْضَ الشُّرَكَاءِ مِنْ أَصْحَابِ الْمَوَاهِبِ أَوْ الْخِبْرَاتِ الْوَظِيفِيَّةِ ، يُشَارِكُونَ فِي دَعْمِ الْمَشَارِيعِ التَّنْمِيَةِ كَوَاجِبٍ تَطَوُّعِيٍّ تَفِعِيٍّ ، فَهَؤُلَاءِ مُحَرِّكَاتُ دَفْعٍ مُهِمَّةٌ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَشَارِيعِ .
وَلَعَلَّ الْمُهِمَّ أَيْضًا أَنْ نَعْرِفَ أَهَمِّيَّةَ احْتِرَامِ الْفُرُوقَاتِ الْفَرْدِيَّةِ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ ، فَلَيْسَ شَرْطًا أَنْ يَكُونَ الدَّاعِمُ نُسْخَةً طِبْقَ الْأَصْلِ لِلشَّرِيكِ ، فَقَدْ يَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ وِجُهَاتُ نَظَرٍ وَمُيُولٌ وَ مَوَاهِبُ إِبْدَاعِيَّةٌ لَيْسَ هِيَ تَفْسَهَا الَّتِي عِنْدَ الشَّرِيكِ الْآخَرِ ، قَدْ نُسَمِّيهَا دَائِرَةَ التَّنَوُّعِ الْإِيجَابِيِّ ، وَ هَذَا النَّوْعُ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ مُهِمٌّ فِي نَجَاحِ الْمَشَارِيعِ التَّشَارُكِيَّةِ .
وَفِي حَيَاتِي الْمِهْنِيَّةِ أَوْ حَتَّى فِي حَيَاتِي الَّتِي ارْتَبَطَتْ بِمَشَارِيعِ النَّفْعِ الْعَامِّ وَقَفْتُ عِنْدَ نَوْعٍ مِنْ الشُّرَكَاءِ لَدَيْهِ نَزْعَةٌ نَرْجِسيّةٌ أَوْ فَوْقِيَّةٌ يُطَبِّقُ مِعْيَارَ الْوَظِيفَةِ فِي الْعَلَاقَةِ التَّشَارُكِيَّةِ وَ هَذَا السُّلُوكُ لَا يَصِحُّ ، كَوْنَ الْعَلَاقَاتِ تُبْنَى عَلَى الِاحْتِرَامِ الْمُتَبَادَلِ ، الَّذِي يَعْرِفُ فِيهِ الشُّرَكَاءُ أَفْضَالَ بَعْضِهِمْ الْبَعْضِ ، فَكُلٌّ يُقِرُّ بِفَضْلِ الدَّاعِمِ وَ الْمَدْعُومِ .
وسوم: العدد 1105