جلسات تصحيح واستدراك
الْحَيَاةُ فَضَاءٌ وَاسِعٌ رَحْبٌ ، كَمَا هِيَ سَاحَةُ امْتِحَانٍ مَفْتُوحٍ غَيْرِ مُحَدَّدِ الْمُدَّةِ وَ الْأَجَلِ ، لَكِنْ لَهَا مَحَطَّةُ انْتِهَاءٍ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ ، تَنْتَهِي حِينَ يَدُقُّ الْجَرَسُ مُعْلِنًا نَفَاذَ الْوَقْتِ ، حِينَهَا لَا وَقْتَ لِلِاسْتِدْرَاكِ وَ الْوَقْتَ الْإِضَافِيِّ لِإِكْمَالِ الِاخْتِبَارِ ؛ لَكِنَّ اللَّبِيبَ مَنْ اسْتَغَلَّ الْوَقْتَ لِجَنْيِ الْمَحْصُولِ .
وَ تَبْقَى مَوَاسِمُ الْخَيْرِ مَفْتُوحَةً مُشْرَعَةً مَادَامَ فِي الْعُمْرِ بَقِيَّةٌ ، تَظَلُّ الْفُرَصُ تَشْرَعُ أَبْوَابَهَا لِلْمُقْبِلِينَ لِاسْتِبَاقِ الْخَيْرَاتِ .
تَشْرَعُ أَبْوَابَهَا لِكُلِّ نَفْسٍ لِوَامَةٍ ، تَحَرَّكَتْ فِيهَا نَزَعَاتُ الْخَيْرِ ،
تَشْرَعُ أَبْوَابَهَا لِلْأَوَّابِينَ الَّذِينَ يُرَاجِعُونَ الْحِسَابَاتِ دَوْرِيًّا ،
تَفْتَحُ أَبْوَابَهَا لِكُلِّ مَنْ يُرِيدُ تَضْمِيدَ الْجُرُوحِ وَ الْأَخْطَاءِ .
تَفْتَحُ أَبْوَابَهَا لِلْمُقَصِّرِينَ فِي جَنْبِ اللَّهِ ، الْمُقَصِّرِينَ فِي حُقُوقِ النَّفْسِ وَ الْأَرْحَامِ وَ حَقِّ الْجِوَارِ .
هَؤُلَاءِ جَمِيعُهُمْ تُشْرَعُ لَهُمْ أَبْوَابُ الْخَيْرَاتِ حَتَّى يَغْنَمُوا وَ يَفُوزُوا بِالْجَائِزَةِ .
وَالنَّبِيهُ فِي هَذَا الِاخْتِبَارِ الْمَفْتُوحِ مَنْ يَعْقِدُ جَلَسَاتٍ يُصْلِحُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَالِقِهِ ، يَعْقِدُ جَلَسَاتٍ يُصْلِحُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْخَلْقِ ، كَيْ يُعِيدَ السِّكَّةَ لِمَوْضِعِهَا الصَّحِيحِ .
نعقد الجلسات لِنُرَمِّمَ الْعَلَاقَاتِ الْمُتَرَهِّلَةَ
نَصْلُحُ الْمَوْدَاتِ الَّتِي أَفْسَدَتْهَا نَزَوَاتٌ وَ صِرَاعَاتُ مَطَامِحَ وَ حُظُوظُ نَفْسٍ أَمَارَةٌ بِالسُّوءِ .
تعقد الجلسات لنَصْلُحُ أُلْفَةَ عُمْرٍ طَوِيلَةً ضَاعَتْ فِي سَاعَاتِ غَفْلَةٍ .
كما تَعْقِدُ الْجَلَسَاتُ نُضَمِّدُ جِرَاحَاتِ الْقُلُوبِ
فَكُمْ مِنْ قَرِيبٍ بَاعَدْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحْبَابِهِ فُتَاتَ الْأَرْضِ الْفَانِي !
نَعْقِدُ الْجَلَسَاتِ لِنَرْمَمَ فَسَادَ مَوَدَّةٍ خَسِرْنَا فِيهَا صَدِيقٌ ، كَانَتْ لَنَا مَعَهُ عُشْرَةُ عُمْرٍ طَوِيلَةٌ ، ضَيَّعَهَا تَنَافُسٌ مَذْمُومٌ مِنْ أَجْلِ فُتَاتٍ !
تُعْقَدُ الْجَلَسَاتُ لِنُعِيدَ أَقْدَامَنَا لِمَسَارِهَا ، نُعِيدُهَا الْخُطَى لِحِيَاضِهَا ، نُعِيدُهَا لِرِيَاضِ الْجَنَّةِ ، حَيْثُ بَاحَاتُ الْعِلْمِ الَّذِي تَسْعَدُ بِهِ الرُّوحُ .
تُعْقَدُ الْجَلَسَاتُ لِنَكْشِفَ زَيْفَ عَلَاقَاتٍ مُزَيَّفَةٍ مَغْشُوشَةٍ ، نُصْلِحُ فِيهَا الْأَوَاصِرَ كَيْ تَتَصَافَحَ الْقُلُوبُ بِذُلِّ الْأَكُفِّ الْمُلَوَّثَةِ بِالْأَحْقَادِ وَ الضَّغَائِنِ .
تُعْقَدُ الْجَلَسَاتُ لِنَلْجَمِ الْأَلْسِنَةِ فَلَا تُؤْذِي الْمَخْلُوقَاتِ ، فَلَا تَخُوضْ فِي الْأَعْرَاضِ ، وَ نَبْشِ قُبُورِ الْأَمْوَاتِ ، فَلَا تَخُوضْ فِي مَشَارِيعِ الضَّيَاعِ وَ التَّيهِ .
تَعْقَدُ الْجَلَسَاتُ نُعِيدُ عَقَارِبَ السَّاعَةِ لِوَقْتِهَا الصَّحِيحِ ، فَنَصْرِفُ أَوْقَاتَنَا فِي الْأُمُورِ الْمُهِمَّةِ النَّافِعَةِ ، نَصْرِفُ أَوْقَاتَنَا فِي الْأُمُورِ الَّتِي تُصْلِحُ شَأْنَنَا ، بَدَلَ الْقِيلِ وَ الْقَالِ .
تُعْقَدُ الْجَلَسَاتُ لِنُخْرِجَ أَنْفُسَنَا مِنْ دَائِرَةِ الِانْغِلَاقِ إِلَى الْعِتْقِ الْحَقِيقِيِّ ، فَنَشَمُّ نَسَائِمَ الْأَفْرَاحِ ، الَّتِي نُسْعِدُ بِهَا الرُّوحَ وَ الْأَهْلَ وَ الْخُلَّانَ .
نَعْقِدُ الْجَلَسَاتِ تِلْوَ الْجَلَسَاتِ نُصَحِّحُ الْمَسَارَ الطَّوِيلَ ، نُعَدِّلُ الْأَهْدَافَ الْمُخَالِفَةَ لِرُوحِ عَقِيدَتِنَا ، الْمُخَالِفَةِ لِأَصَالَتِنَا ، الْمُخَالِفَةِ لِمَوْرُوثِنَا الْحَضَارِيِّ ، الْمُخَالِفَةِ لِقِيَمِنَا الْإِنْسَانِيَّةِ .
نَعْقِدُ الْجَلَسَاتِ تِلْوَ الْجَلَسَاتِ ، لِنُقْنِعَ أَنْفُسَنَا إِنَّ حَيَاةَ الزَّيْفِ لَا تَدُومُ ، وَ أَنَّ الْعَلَاقَاتِ الْمَصْنُوعَةَ لَا تَدُومُ ، كَالْأَشْجَارِ تُعَرِّيهَا عَوَارِضُ الْخَرِيفِ ، وَ هَزَّاتُ الشِّتَاءِ .
إِنَّ الْإِنْسَانَ الْعَاقِلَ هُوَ ذَاكَ الَّذِي يُصَحِّحُ الْمَسَارَ كُلَّ فَتْرَةٍ ، يُدَقِّقُ الْحِسَابَاتِ كُلَّ بُرْهَةٍ ، يُصْلِحُ أَحْوَالَهُ كُلَّ سَاعَةٍ ، فَالْمَرْءُ الْوَاعِي لَا يَأْمَنُ الْعَوَاقِبَ ، يَقْرَأُ الْمَحَاذِيرَ ؛ فَكَمْ مِنْ مَغْدُورٍ فَاتَتْهُ أَوْقَاتُ التَّصْحِيحِ وَ الِاسْتِدْرَاكِ .
وسوم: العدد 1107