حب الوطن
في أحيان كثيرة يتاجر بعض الناس بالوطنية يحسبونها قميصا أو إزارا ، إذا شاءوا لبسوه وإذا رغبوا عنه خلعوه ، بئس العشرة هذه ! .
إن الوطنية الحقة عطاء ، وإن الوطنية في فهمنا ولاء .
إن الوطنية حب فطري يولد بمجرد أن تلامس الرحى تربة الوطن ، فهي هبة ممنوحة من السّماء ، وهي منحة ربانية يشترك في حبها الجميع ، يشترك في حبها الميسور والفقير ، يشترك في حبها الكبير والصغير ، كما يشترك في حبها بن البادية وبن المدينة ، و يشترك فيها في حبها بن الساحل و بن الصحراء وبن الجبال ، فهم في حبها سواء .
إن حب الوطن لا تستطيع شراؤه من الدكاكين أو السوبيرات ، كما يفعل اليوم تجار الوطنية المزيفون ، إن الوطنية في قاموسنا ماسة ثمينة لا تباع في الدكاكين ، أو الأسواق المزيفة .
إن الوطنية الحقة شعور وانتماء ، وهي في عقيدتنا بذل و تضحية و عطاء .
أما وطنية الترف و المباهاة ووطنية التنميق ووطنية الاستعلاء و التفريق وطنية مرفوضة في قانون الوطن ، فالوطن سقته دماء زكية طاهرة ، روت أرضه الطاهرة ، عبر نضال طويل جاهز القرن و ربع القرن شارك في حمايته والدفاع عنه الجميع .
ولله در أحمد شوقي كيف اختصر مسافات المعاني ، حين وصف الحب الحقيقي للأوطان بقوله :
وللأوطان في دم كل حر
يد سلفت ودين مستحق
و لا ينقطع جمال وصال حب الأوطان في نظم الشعراء ، حتى يرسم لنا ابن الرومي الشاعر العباسي الشهير أبياتا غاية في الروعة والجمال في قصيدة تاهت أبياتها حبا للوطن يقول في مطلعها :
ولي وطن آليت ألا أبيعه وألا أرى غيري له الدهر مالكا
عهدت به شرخ الشباب ونعمة كنعمة قوم أصبحوا في ظلالكا
فقد ألفته النفس حتى كأنه لها جسد إن بان غودرت هالكا
وحبب أوطان الرجال إليهم مآرب قضاها الشباب هنالكا
إذا ذكروا أوطانهم ذكرتهم وعهود الصبا فيها فحنوا لذلكا
إن الوطنية التي نألفها ، هي حب وحنين لقطعة من القلب ، لها حق الرعاية والدفاع والحماية .
إن الوطنية التي نألفها وطنية يتآلف فيها النسيج المجتمعي في رحاب الوطن ، بهم جميعا يتشكل درع واق ، وسياج حام .
إن الوطنية التي نألفها وطنية تجمع المفاصل ، فتكون فيها الأعضاء متجانسة ، لا يرقى جنس عن جنس ، ولا يستعلي عضو عن عضو ، فالجميع في ذلك الوطن سواء ، لا يستأثر فيها بالحب ولا الانتماء ، فالجميع فيه يشعر في تلك القطعة الثمينة بالكرامة والحرية .
إن الوطنية التي نريدها وطنية جامعة ، يشعر الجميع فيها بالإخاء ، يشعر الجميع فيها بالأمان .
إن الوطنية التي نحلم بها أن يشعر المرء أنه حر طليق ، يبحر في سماء الوطن ، فلا يشعر بالخوف والغربة والاحتقار .
إن الوطنية التي نعنيها واحة ظليلة يشعر الجميع فيها بالراحة والأنس ، يشعر الجميع فيها بالسكينة .
إن الوطنية التي تريدها وطنية الوفاء ، فلا نخون أمانة الشهداء .
ليتنا نتعلم حب الوطن من الأوفياء الخلص من أبناء الوطن ، ولعل شاعر الثورة و المنافح عن حياضها يختصر الأوصاف بكلمات صادقة ليتنا نحفظها و نكتبها بماء الذهب .
يقول شاعر الثورة الجزائرية والمغرب الكبير، مفدي زكريا، رحمه الله:
" ليست الجزائر بحاجة إلى رجال يرفعون الفاعل وينصبون المفعول ويخفضون المضاف إليه ويّحركون أواخر الكلمات لا غير، وإنّما هي بحاجة إلى رجال يرفعون رأسها عاليا، وينصبون أقلامهم وأفكارهم للذّود عن حماها، والدّفاع عن كرامتها، ويخفضون رؤوس الخونة المنافقين، ويحرّكون المؤسّسات، ويسكّنون عواصف الظلمات، أولئك هم الرّجال الذين تحتاج إليهم الجزائر اليوم ".
علمتني يا ملهم حبي وفخار حياتي ، يا حبي الصافي ، علمتني يا وطن أن أنادي بأعلى صوتي .
( نحبك يا وطن )
وسوم: العدد 1118