"ع السكين يا بطيخ"...
"ع السكين يا بطيخ"...
هنادي نصر الله
تبدو الدنيا كالبطيخة، لا تعرفُها إلا بعد أن تُعايشَ أيامها وسنواتها، وهكذا البشرْ برأيي كلهم بطيخ؛ قد يُغرينا مظهرهم الخارجي؛ فنقتربْ منهم؛ لنتعرف على قلوبهم عبر نقاشٍ يجري بيننا؛ إما أن نُعجب بحلاوةِ تفكيرهم، وإما أن نُذهل بعقولهم المتحجرة التي تُشبه " البطيخة العجرة" أو النيئة...!!
فالمخطوبةُ تبدو لخطيبها طوال فترة الخطوبة؛ أشبه ببطيخةٍ حلوة المذاق؛ كلُ ما فيها يُغري، هندامها، أسلوبها، ضحكاتها، هدوءها، رومانسيتها؛ لكن تلك البطيخة " أي المخطوبة" سُرعان ما يكتشفُ طباعها عندما تتنقل معه إلى بيته؛ إما أن تزده حلاوةً ؛ فيصدق ظنه بها؛ وإما أن يُصطدم بجوهرها؛ ليجد أن الظاهر غلبَ كل شيء؛ فكثيرًا ما قالوا بأن " الخطوبة ما هي إلا مسلسل رومانسي بين الخاطب روميو، والمخطوبة جوليت" حقًا الإثنان كالبطيخة يكونان؛ فمهما حاولا أن يقتربا من بعضهما وأن يصدقان إلا أن كثيرًا من التفاصيل الخفية تظهر بعد الزواج...
يُعجبني أن يُدلل الباعة على البطيخ ويقولون " ع السكين يا بطيخ، حلو يا بطيخ، عسل يا بطيخ" يظل البطيخ بطيخًا، وتبقى أوصاف الباعةِ على حالها إلى أن تشقَ السكين دربها لتشطره إلى نصفين؛ فيعلم المشتريون طعمه الحقيقي..
وكذلك الناس برأيي يبقون بطيخًا، يُخفون بداخلهم الكثير من الأوجاع والآمال، يُظهرون الكثير من المشاعر والأحلام؛ قد يتظاهرون بمحبتهم لك أو بعداوتكِ، قد يبوحون بأحاديث لا تُعبر عن نبضاتِ قلوبهم؛ لن تستطيع أن تعرفَ حقيقتهم إلا " بالسكين" والسكين التي أقصدها هنا هي سكين المصاعب والأزمات التي قد تتعرضُ لها؛ فقد تجد منهم من يُجنبك ألم هذه السكين، ومن يتهربُ منك عند أولِ حاجتكَ له؛ ليكشفَ عن وجهه الحقيقي...!
فلنشكر جميعًا الأزمات والخلافات؛ فنحن بحاجةٍ ماسةٍ إليها في حياتنا؛ لنعرفَ كما يقولون ما يُخبأه الآخرون لنا، سنجد من يستحقُ الإمتنان والإحترام لمواقفه الطيبة، وسنجد من لا يستحق كلمة " إنسان" لمواقفه الصادمة... وتستمر الحياة؛ ونبقى نُحب البطيخ، ونرجو البائع دومًا كي يكون حلو المذاق وآلا نُخدع بجوهره ما أن وضعنا به السكين، وكذلك البشر ومعادن الناس..