خاطرة في الموت والحياة
مجاهد ديرانية
صار الموت قريباً من الناس في سوريا كما لم يكن قط، فمنهم من اتكل على الله وآمن بالقدر فلا يبالي الموتَ ولا يفكر فيه، وربما اقتحم الأهوال وركب الأخطار في ساحات النزال وقال: حَيْهلا بموت يقرّبني من الأحبة السابقين، محمد وصحبه الكرام! ومنهم من ضَنّ بنفسه واعتصم ببيته واستسلم للمخاوف والأوهام، يطارده شبح الموت في اليقظة ويراه في كوابيس الأحلام، فيعذب نفسه ويحمّلها حملاً ثقيلاً من الهموم هو في غنى عنه لو آمن بالقدر وفوّض أمره إلى الله.
أما أنا فقد فهمت ما بعد الموت فاشتقت إليه، فإنه ليس انتقالاً إلى عالم بعيد مسربل بأغشية الغيب، بل هو عالم قريب قريب، والانتقال إليه سهل يسير لا معنى للخوف منه. ألسنا نموت كل ليلة؟ {الله يتوفى الأنفس حين موتها، والتي لم تَمُتْ في منامها}. كم من مرة رأيتَ فيها نفسك في المنام محلّقاً في الجِواء أو طاوياً الأزمنة في طرفة عين؟ إن النفس إذا تحررت من الجسد تخلصت من أعبائه وقيوده التي تربطه بالعالم الأرضي، قيود الجاذبية والهرم والفناء، وانطلقت بلا حدود ولا قيود ولا أعباء.
من صَلُح عمله لم يجد في الموت سوى انتقال إلى عالم الحرية والخلود، انتقال إلى عالم ساحر فَتّان، فهو في البرزخ في نعيم إلى يوم يُنفَخ في الصور: "ينادي مناد من السماء أن صدق عبدي، فافرشوا له من الجنة وألبسوه من الجنة وافتحوا له باباً إلى الجنة، فيأتيه من رَوْحها وطيبها ويُفسَح له في قبره مد بصره". وهو في صحبة الصالحين والأخيار: "إذا حُضِرَ المؤمن أتته ملائكة الرحمة بحَريرة بيضاء، فيقولون: اخرجي راضيةً مَرْضياً عنك إلى رَوح الله وريحان ورب غير غضبان، فتخرج كأطيب ريح المسك... فيأتون به أرواح المؤمنين، فلهم أشدّ فرحاً به من أحدكم بغائبه يقدم عليه، فيسألونه: ماذا فعل فلان؟ ماذا فعل فلان؟ فيقولون: دعوه فإنه كان في غَمّ الدنيا".
أرأيتم كيف وصف أهلُ البرزخ الدنيا بالغمّ؟ إنه حكم الخبير، ولم يحكموا به إلا بعدما عاشوا الحياتين وجربوا الحالتين. فيا أيها الناس: اذكروا الموت واعملوا لما بعده، ولا يؤجلنّ إلى الغد عابدٌ طاعةً ولا عاصٍ توبةً، فما يَدري أحدُنا متى يطرقه طارقه ومتى يصله النداء.
أسأل الله حسنَ الخاتمة والوفاةَ على الإيمان، لي ولأهل بيتي، ولإخواني المؤمنين وأخواتي المؤمنات.