رسالة إلى ابني الذي لم أره بعد
ابني الحبيب.. يا فلذة الكبد ومهجة الروح.. يا من أحببتك أكثر من أي شيء، وعشقت تفاصيلك قبل حتى أن أراك..
أحببت أن أُسر إليك وأضع حُملي بين يديك، لأُخبرك عن أيام لم ترها، وربما لن تستطيع تخيلها..
كُنا أمة مقهورة، ولم نكن على قدر الأمانة، كنا نظن أن (إسرائيل) هي ابتلاء الله الأصعب لنا، حتى عرفنا أنها مجرد "تدريب" لمواجهة صهاينة من نفس الجلد واللون واللغة، سنتعرف عليهم لاحقاً.. كنا نخاف من أي شرطي دون حتى أن يتكلم، ونعمل لكل كلمة ألف حساب وحساب..
زرع آباؤنا الخوف داخلنا، ثم رويناه نحن بدموع الخوف، ودماء الجراح.. ثم أتت علينا أيام تغيّرت فيها النفوس، وسمت فيها الأرواح.. خرج الناس وقالوا "إرحل" لمن كانوا يعبدونهم... وأصبح الدم يروي شجرة العزة والكرامة، بعد أن يغرق حقول الخوف والمهانة.. صرنا نسمع عن حكايات كُنا نظنها من زمن ولى ولن يعود، ونُعايش أشخاصاً وأحداثاً اعتقدنا أنها حصر بالصحابة الكرام..
بُنيّ.. حين أصبح الموت أُمنية، والحرية هدفاً، هانت الصعاب وولد جيل جديد، فتغيّرت المعادلة، ولعلك تعيش اليوم شيئاً من نتاج هذا التغيير..
بُني الحبيب... لا أُخفيك أنني فكرت في زمن سابق أن إنجاب أطفال في واقعنا الأليم محض عبث، وأننا يجب أن لا نجني على أبنائنا كما جنى آباؤنا علينا، بمقياس أبي العلاء... لكنني لاحقاً استعذتُ من هذه الوسوسة، وعزمت أمري: نحن في معركة فاصلة، والمعركة تحتاج قادة نجباء وجنوداً أشاوس... فكن أحدهم..
ابني العزيز.. اعلم أن أباك لم يخفْ من قول الحق، أو ما رأى أنه الحق، وأنه ما دنّس لسانه بمدح طاغية أو تبرير ظلم..
فكن على الدرب عزيزاً، جريئاً قوياً في الحق.. كن مع الحق، والنهج والفكرة، حتى ولو دفعت الثمن باهظاً..
حبيبي.. لا أعرف متى تقرأ هذه الرسالة، ولستُ متأكداً أنك ستقرؤها، أو أنك سترى النور على وجه هذه البسيطة أصلاً.. لكنني ما أحببت أن أفوّت فرصة الحديث إليك...
أحبكَ..........
والدك