يا ليت أنّا لم نكن!!
فراس حج محمد /فلسطين
اعذروني مزاجي سيءٌ هذا الصباح، فليس في بداية دقائقه وساعاته سوى الاستمرار في دوامة الاغتراب، التي تزداد انتقاما من الروح كل يوم، ليس رثاء للنفس، ولكنها حقيقة لآلام الحياة التي أخذت على نفسها عهدا أن تظل تكتبنا في سفر أحزانها الأبدية!!
فلا شيءَ يشتعلُ في هذا الصباحِ غير ذكرى كل من مرّ في تلافيف الذاكرة يوما، فأين همُ الآن؟ بعضهم غربه الموت، وبعضهم ابتلعته الغربة، وآخرون ممتقعون في أحزانهم ويلوذون بالصمت، وفئة سحبتها الحياةُ فداستهم بأقدامها، فنزعت قلوبهم، فغدوا لا يعرفون معروفا، ولا ينكرون منكرا، لا تهزهم الذكريات، ولا يحركهم الشوق للأحباب، ماتوا وهم يتنفسون، ولكنهم يتنفسون الخراب!!
لا شيء ينفعُ هذا الصباح والليلُ ما زال قابعا في العقول ومعرشا في النفوس، فليس مهما أن تبزغ خيوط الفجر، ويظهر قرص الشمس لنقول ها قد أتى الصباح، المهم أن تشرق نفوسنا بالأمل والحب والحياة والحيوية!!
لا شيء يدفع الورد هذا الصباح ليكون أجمل، وقد فقدت الكائنات كلها عبقها وسحرها الطبيعي، وصارت كل الأشياء طفيلية وحامضية ومرة، فهل سيكون للورد محله في أغنيات من سكنتهم أغربة الجنون، وفاض يهم وجع السنين؟
لا شيء يشعر بطعم الحياة، وكيف يشعر بطعم الحياة من لا يعرف منها سوى السراب والأحلام التي تتلاشى تدريجيا، فتتساقط أوراق الشجر، وتعم الصحراء كل الأمكنة، فهل سيكون هناك نفع لبعض غصن تدلى وهو مثقل بكسوره؟؟
لا شيء يشعر الروح بأهميتها، وقد خسرت كل شيء، ولم يتبق لها سوى الأشباح المترائية من بعيد كأنها العاصفة التي تنذر بالمطر المخيف، لم يتبق سوى البكاء والنحيبِ، فهل سيشفيان غلة مصدور عاش عمره كله ينتظر لحظة نور؟
لا شيء غير أمنيات مرة ولكنها حقيقية تتردد في النفس بكل قوة لتقول بملء فيها وفؤادها المتبتل في الألم: "يا ليت أنا لم نكن يوما من أبنائك أيتها الحياة ليتنا لم نكن!! لكانت أوجاع الوجود أخف ولكان العالم أكثر احتمالا، ولكن ربما.......!!