اقتلاع الغربة من جذورها
سليمان عبد الله حمد
كانت صحوة النهاية.. لم تكن أبـداً بداية.. فكيف يبـدأ من قطع الطـريق الطويل حتى دميت قـدماه.. وحمل أثقـال السنين على كاهلـه؟؟ كيف يبـدأ وقـد أنهكه الصعود وأذله الهبـوط وأصبحت حلقة الأيام حوله بـلا بداية ولا نهـاية؟؟
كيف يوهم نفسـه من عاشـر الأيام؛ وأولدها عمـراً يكلله المشيب بتاجه الثلجي؟؟ وكيف يستعير الخريف رداء ربيع سـالف... وينكر ما صـدح من أزاهيـره وما سـربل دربـه من أوراق مصفـرة؟؟
إنها لا تعـدو أن تكون لحظة وهم يتخايل فيها السـراب فتتجسد الغـربة حقيقة وتمتزج ألـوان الشفق بأحلام الشـروق ويختلط الفسـق بإنبـلاج الفجــر...
لكن اللحظة يجب أن تبقى لحظة... مجرد انفراجة نحيـلة في جـدار الزمن تلتئم سـريعاً فلا تصبح فجـوة.. فالفجوة لا يملؤها الوهم بل يغرغها الهبـاء...
الغـربة يا إخوتي وآبائي فعل في الزمن... ولـو فرضت في غير أوانها لتبعثرت ســدي وأصبحت شظـايا.. والغـربة موسم كمواسم الحصــاد... يأتي مع الصيف.. مع العنفـوان فإذا اعتصرناه في زمن الريح والأمطار جنينا منه الهشـيم وذرات الـرمال..
فلنفق من لحظة غفوتنا.. ولنفتح من وسنها بحلاوة الحلم الخاطف.. ولنوسـد أمانينا صـدر اللحظة ونطـو عليها أنفـاس الـرواح.. فقـد اتخمت جوانحنا بالذكرى.. فقط أردنا ألا نطيل الوقوف عنـد أبـواب السـراب...
فالغـربة ذكرى والذكريات في مدينة تنسى يومها قبل أن تبـدأ.. لعنة لا تغسلها الـدماء... فلنرحل ونترك باقة زهـر للحالمين من بعـدنا.
ولنكتب في دفتـرها كلمة تذرف دمعاً نغمس فيه أقـلامنا هنا أحبتنا... وتركنا بصمـة... وعلى لحـاء شجرة الغـربة الأثيرة رسمنا رمـزًا... لعل من يتبع خطـواتنا ينتبه إليه .. فيكمله..
فصفـارات الـرحيل تنـادي والقـارب ينتظـر وحين نبتعـد عن الـمرفاء.. ننظر نظـرة أخيـرة ونلمح منـديـلاً يلوح لنـا ونعرف ساعتها أننا سوف نقنع بالرحيل صوب الوطن الجميل ..