حكم ومواعظ وعبر

من بدائع الفوائد لابن قيم الجوزية

- متى رأيت العقل يؤثر الفاني على الباقي فاعلم أنه قد مسخ.

- ومتى أقحطت العين من البكاء من خشية الله تعالى، فاعلم أن قحطها من قسوة القلب.

- أبعد القلوب من الله القلب القاسي.

- من ركب ظهر التفريط والتواني نزل به دار العسرة والندامة.

- لو احتميت ساعة لم تحتج إلى معالجة الدواء ساعة.

- من نام على فراش الكسل أصبح ملقى بوادي الأسف.

- إذا حال غيم الهوى بين القلوب وبين شمس الهدى تحيّر السالك.

- الدنيا والشيطان عدوان خارجان عنك، والنفس عدو بين جنبيك.

- من لم تبك الدنيا عليه، لم تضحك الآخرة له.

- لا تحتقر معصية فكم أحرقت شررة.

- العلم والعمل توأمان، أمّهما علو الهمة.

- الجهل والبطالة توأمان، أمهما إيثار الكسل.

- غاب الهدهد عن سليمان ساعة فتوعدّه، فيا من أطال الغيبة عن ربه هل أمنت غضبه؟!

- تخلف الثلاثة عن الرسول في غزوة واحدة فجرى لهم ما سمعت، فكيف بمن عمره في التخلف عنه؟!

- العجز شريك الحرمان، والتفريط مصائب الكسل.

- لا تكون الروح الصافية إلا في بدن معتدل، ولا الهمة العالية إلا في نفس نفيسة.

- الوجود بحر، والعلماء جواهره، والزهاد عنبره، والتجار حيتانه، والأشرار تماسيحه، والجهال على ظهره كالزبد.

- البلايا تظهر جواهر الرجال، وما أسرع ما يفتضح المدعي!

- الشجاع يلبس القلب على الدرع، والجبان يلبس الدرع على القلب.

- قام المتهجدون على أقدام الجد تحت ستر الدجى يبكون على زمن ضاع في غير الوصال.

- مداراة الضعفاء باللطف، فإذا قووا شدد عليهم.

- تنكيس رأسك بالندامة هو الرفعة.

- اعترافك بالخطأ نفس الإصابة.

- لو أحببت المعبود لحضر قلبك في عبادته.

- لو كشفت لك الدنيا ما تحت نقابها لرأيت المعشوقة عجوزاً!؟

من أطايب الكلام والأفعال

قال أبو حازم (سلمة بن دينار): ينبغي للمؤمن أن يكون أشد حفظاً للسانه منه لموضع قدميه.

- إذا رأيت الله عز وجل يتابع نعمه عليك وأنت تعصيه فاحذره!

- ما مضى من الدنيا فحلم، وما بقي فأماني.

- لا يحسن عبد فيما بينه وبين الله إلا أحسن الله ما بينه وبين العباد.

- كل نعمة لا تقرّب من الله عز وجل فهي بليّة.

- إن وقينا شر ما أعطينا لم نبال ما فاتنا.

- إن كان يفنيك من الدنيا ما يكفيك فأدنى عيش من الدنيا يكفيك، وإن كان لا يغنيك ما يكفيك فليس شيء يكفيك.

- عند تصحيح الضمائر تغفر الكبائر، وإذا عزم العبد على ترك الآثام أتته الفتوح.

- ما في الدنيا شيء يسرك إلا وقد ألزق به شيء يسوءك!!

- عجباً لقوم يعملون لدار يرحلون عنها كل يوم مرحلة، ويدعون أن يعملوا لدار يرحلون إليها كل يوم مرحلة ؟!

- ما أحببت أن يكون معك في الآخرة فقدمه اليوم، وما كرهت أن يكون معك في الآخرة فاتركه اليوم.

- رضي الناس من العمل بالعلم ومن الفعل بالقول.

- قيل لأبي حازم: ما مالك؟ قال: ثقتي بالله عز وجل، ويأسي مما في أيدي الناس.

- وكان يعظ في المسجد ويبكي ويمسح بدموعه وجهه، فقيل له: يا أبا حازم! لم تفعل هذا؟ قال: بلغني أن النار لا تصيب موضعاً أصابته الدموع من خشية الله!!

* قال جعفر بن محمد بن علي بن الحسين رضي الله عنهم:

- إذا أنعم الله عليك بنعمة فأحببت بقاءها ودواتها فأكثر من الحمد والشكر عليها فإن الله عز وجل قال في كتابه "لئن شكرتم لأزيدنكم".

- وإذا استبطأت الرزق فأكثر من الاستغفار فإن الله تعالى قال في كتابه "استغفروا ربكم إنه كان غفاراً يرسل السماء عليكم مدراراً، ويمددكم بأموال وبنين (يعني في الدنيا) ويجعل لكم جنات" (في الآخرة)

- إذا حزبك أمر من سلطان أو غيره فأكثر من قول (لا حول ولا قوة إلا بالله) فإنها مفتاح الفرج، وكنز من كنور الجنة.

- وسئل: لم حرّم الله الربا؟ فقال: لئلا يتمانع الناس المعروف.

- وسأله المنصور: يا أبا عبد الله! لم خلق الله الذباب؟

فقال: ليذل به الجبابرة.

- أصل الرجل عقله، وحسبه دينه، وكرمه تقواه، والناس في آدم مستوون.

- لا يتم المعروف إلا بثلاثة: بتعجيله، وتصغيره، وستره.

- ومن وصيته لابنه موسى: من قنع بما قسم الله له استغنى، ومن مد عينيه إلى ما في يد غيره مات فقيراً، ومن لم يرض بما قسم الله عز وجل له اتهم الله تعالى في قضائه، ومن استصغر زلّة نفسه استعظم زلة غيره، ومن استصغر زلة غيره استعظم زلة نفسه.

- يا بني! من كشف حجاب غيره، انكشفت عورات بيته، ومن سلّ سيف البغي قتل به، ومن احتفر لأخيه بئراً سقط فيها، ومن داخل (خالط) السفهاء حقّر، ومن خالط العلماء وقّر، ومن دخل مداخل السوء اتّهم.

- يا بني! قل الحق لك وعليك، وإياك والنميمة فإنها تزرع الشحناء في قلوب الرجال.

* قال الإمام مالك بن أنس – رضي الله عنه- ما أفتيت حتى شهد لي سبعون أني أهل لذلك!!

- لا ينبغي للرجل أن يرى نفسه أهلاً لشيء حتى يسأل من هو أعلم منه.

- كان مالك إذا أراد أن يحدّث (بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم) توضأ وجلس على صدر فراشه، وسرّح لحيته، وتمكن في الجلوس بوقار وهيبة، ثم حدث، فقيل له في ذلك، فقال: أحب أن أعظم حديث النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أحدث به إلا على طهارة متمكناً!!

- سأل رجل مالكاً عن مسألة، فقال: لا أحسنها. فقال الرجل: إني ضربت من كذا وكذا لأسألك عنها؟! فقال له مالك: فإذا رجعت إلى مكانك وموضعك فأخبرهم أني قلت لك لا أحسنها.

- ليس العلم بكثرة الرواية، وإنما هو نور يضعه الله في القلب.

* من تجارب الإمام المربي (ابن الجوزي)

- عداوة الأقارب صعبة، وربما دامت كحرب بكر وتغلب ابني وائل، وعبس وذيبان، والأوس والخزرج!

- رأيت نفسي تأنس بالخلطاء تسميهم أصدقاء، فبحثت بالتجارب عنهم، فإذا أكثرهم حساد على النعم، وأعداء لا يسترون زلة، ولا يعرفون لجليس حقاً، ولا يواسون من مالهم صديقاً.

- من عادات أكثر النساء إذا اجتمعن أن يذكر بعضهن بعضاً، ورميهن المذكورة بكل شيء، وقد عدّ قذف المحصنات من الكبائر.

- من أراد الله به خيراً رزقه حسن القصد في طلب العلم، فهو يحصله لينتفع به وينفع ولا يبالي بعمل مما يدله عليه العلم، فتراه يجافي أرباب الدنيا، ويحذر مخالطة العوام، ويقنع بالقليل خوفاً من المخاطرة في الدنيا في تحصيل الكثير.

- إن الله تعالى عظّم بعض الشهور على بعض، ليكون الكف عن الهوى فيها ذريعة إلى استدامة الكف في غيرها تدريجاً للنفس إلى فراق مألوفها المكروه شرعاً.

- إذا علمت منك النفس الجدّ جدّت، وإذا عرفت منك التكاسل طمعت فيك.

- ينبغي لكل ذي علم أن يلم بباقي العلوم فيطالع منها طرفاً، إذا لكل علم بعلم تعلق، وأقبح بالفقيه أن يقال له: ما معنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، فلا يدري صحة الحديث ولا معناه.

- امنع لسانك اللغو، واجعل الذكر حديثك، وصحّح بمجانبة الهوى إيمانك ويقينك.

- متى رأيت في نفسك عجزاً فسل المنعم، أو كسلاً فالجأ إلى الموفق، ولن تنال خيراً إلا بطاعته، ولا يفوتك خيراً إلا بمعصيته.

- رأيت الاشتغال بالفقه وسماع الحديث لا يكاد يكفي في صلاح القلب إلا أن يمزج بالرقائق والنظر في سير السلف، لأنهم تناولوا مقصود النقل، وخرجوا عن صور الأفعال المأمور بها إلى ذوق معانيها والمراد بها.

- لا ينكر أن الطباع تحب المال، لأنه سبب بقاء الأبدان لكنه يزيد حبه في بعض القلوب حتى يصير محبوباً لذاته، لا للتوصل به إلى المقاصد.

- حب الراحة يورث من الندم ما يربو على كل لذة.

"بين السكوت والكلام"

قال أحد الحكماء: إذا كان المرء يحدّث في مجلس، فأعجبه الحديث، فليمسك. وإذا كان ساكتاً، فأعجبه السكوت، فليتحدث.

"الرزاق ذو القوة المتين"

قال عبيد الله بن أبي جعفر: "غزونا القسطنطينية فكسر بنا مركبنا، فألقانا الموج على خشبة في البحر، وكنا خمسة أو ستة. فأنبت الله لنا بعددنا، ورقة لكل رجل منا، فكنا نمصها فتشبعنا وتروينا، فإذا أمسينا، أنبت الله لنا مكانها!!

"الضغائن تولّد الضغائن"

كان إذا تعادى اثنان من خاصة أبي العباس السفاح، لم يسمع من أحدهما في الآخر ويقول: الضغائن تولد الضغائن.

"متى يضر حب الدنيا"

جاء رجل إلى أبي حازم الزاهد وقال له: إني لأجد شيئاً يحزنني. قال: وما هو يا ابن أخي؟ قال: حبي للدنيا. قال: اعلم أن هذا لشيء ما أعاتب نفسي على بعض شيء حبّبه الله إليّ، لأن الله قد حبّب هذه الدنيا إلينا. لتكن معاتبتنا أنفسنا في غير هذا: ألا يدعونا حبّها إلى أن نأخذ شيئاً من شيء يكرهه الله، ولا أن نمنع شيئاً من شيء أحبّه الله. فإذا نحن فعلنا ذلك لم يضرّنا حبنا إياها.

"كيف تكون كالملوك"

قال رجل لمحمد بن واسع: أوصيني. قال: أوصيك أن تكون ملكاً في الدنيا والآخرة. قال: كيف؟ قال: ازهد في الدنيا.

"من القلب إلى القلب"

شكا أحد الوعاظ لمحمد بن واسع عدم تأثر الناس بما يقول وقال له: ما لي أرى القلوب لا تخشع، والعيون لا تدمع، والجلود لا تقشعر؟ فقال محمد: ما أرى القوم إلا أتوا من قبلك، إن الذكر إذا خرج من القلب وقع على القلب!

"أدبته نفسه"

قيل لابن المقفع: من أدّبك؟ قال: نفسي. إذا رأيت من أحد حسناً أتيته، وإن رأيت قبيحاً أبيته.

"لو نفعل كما كانوا يفعلون"

كان الحسن بن الحر إذا مرّ به من يبيع ملحاً، أو من رأس ماله نحو درهمين يعطيه خمسة ويقول: اجعلها رأس مالك، ويعطيه خمسة أخرى، ويقول: خذ بها دقيقاً وتمراً، وخمسة أخرى ويقول: خذ بها قطناً للمرأة.

"ثلاثة يعرفون عند ثلاثة"

قال خالد بن صفوان: ثلاثة يعرفون عند ثلاثة: الحليم عند الغضب، والشجاع عند اللقاء، والصديق عند النائبة.

"عقوبة وحسنة"

قال جعفر بن محمد: إذا بلغك عن أخيك ما يسؤوك فلا تغتمّ، فإنه إن كان كما يقول كانت عقوبة عجّلت، وإن كان على غير ما يقول كانت حسنة لم تعملها.

"نعم البائع والمشتري"

جاءت امرأة إلى يونس بن عبيد بحبة خز، فقالت له: اشترها. قال: بكم؟ قالت: بخمس مئة. قال: هي خير من ذلك. قالت: بست مئة، قال: هي خير من ذلك. فلم يزل حتى بلغت ألفاً!! وكان يشتري الإبريم من البصرة، فيبعث به إلى وكيله بالسوس، وكان وكيله يبعث إليه بالخز، فإن كتب وكيله إليه: إن المتاع عندهم زائد، لم يشتر منهم أبداً حتى يخبرهم أن وكيله كتب إليه أن المتاع عندهم زائد.

"خصلتان"

قال يونس بن عبيد: خصلتان إذا صلحتا من العبد صَلُحَ ما سواهما: صلاته ولسانه!

"بكاء عند الموت"

نظر يونس إلى قدميه عند الموت وبكى، فقيل ما يبكيك يا أبا عبد الله؟ قال: قدماي لم تغبرّ في سبيل الله!

"فداء الأم"

أراد كهمس العابد قتل عقرب، فدخلت في جحر، فأدخل أصابعه خلفها فضربته. فقيل له: قال: خفت أن تخرج، فتجيء إلى أمي تلدغها؟!

"مم يحتمي العاقل؟"

قال عبد الله بن شبرمة: عجبت للناس يحتمون من الطعام مخافة الداء، ولا يحتمون من الذنوب مخافة النار.

وقال: من بالغ في الخصومة أثم، ومن قصّر فيها خصم، ولا يطيق الحق من بالى على من دار الأمر!

"البر بالأم"

كان عبد الله بن عون إذا نادته أمه فأجابها، فعلا صوته صوتها أعتق رقبتين!

وكان إذا أغضبه رجل يقول: بارك الله فيك!

وقال من صحبه: صحبت ابن عون دهراً، فما سمعته حالفاً على يمين برة، ولا فاجرة.

"خوفاً من الرياء"

حدّث مفضل بن لاحق فقال: كنا بأرض الروم، فخرج رومي يدعو إلى المبارزة، فخرج إليه رجل فقتله، ثم دخل في الناس، فجعلت ألوذ به لأعرفه وعليه المغفر، قال: فوضع المغفر يمسح وجهه، فإذا ابن عون!

"ظلم الناقة فأعتقه"

كان لابن عون ناقة يغزو عليها ويحج، وكان بها معجباً. قال: فأمر غلاماً له يستقي عليها، فجاء بها وقد ضربها على وجهها، فسالت عينها على خدها، فقلنا: إن كان من ابن عون شيء فاليوم فلم يلبث أن أنزل، فلما نظر إلى الناقة قال: سبحان الله أفلا غير الوجه، بارك الله فيك، اخرج عني، اشهدوا أنه حر.

"مسألتان لا أكثر"

قال داود بن أبي هند: أتيت الشام، فلقيني غيلان، فقال: إني أريد أن أسألك عن مسألتين. قال: قلت: سلني عن خمسين مسألة، وأسألك عن مسألتين. قال: سل يا داود. قلت: أخبرني عن أفضل ما أعطي ابن آدم، قال: العقل. قلت: فأخبرني عن العقل ما هو؟ شيء مباح للناس، من شاء أخذه، ومن شاء تركه، أم هو مقسوم؟ قال: فمضى، ولم يجبني!