خاطرة في الصحراء
خاطرة في الصحراء
محمد عميرة – القدس
الحياة تبدو كورقة صحراوية صفراء تنقشُ النباتاتُ الصحراويةُ عليها بعيدانها وأشواكها كلمات ٍ مبعثرة هنا وهناك ؛ تلك الكلمات تحمل في عيدانها الغذاء والدواء فيرعاها القطيع قبل أن تتلاشى في الصحراء المُتغيـّرة ، ثم تكون في كوبٍ أو على مائدة ، وكما تحيا الدّوابّ بالأعشاب يحيا بالكلمات الكُـتّاب ، وبشوكيْهٍما يُدميان المعتدي ، وبدونهما نبدو كالقطيع .
لمّـا زرتُ الصحراءَ سألتني : من أين قدمتَ ؟
أجبتها : من بيتٍ له سبعةُ أبوابٍ وخلفهُ قُـبـّةٌ ذهبيةٌ كبيرةٌ تنظرُ إلى السماء من فوق الكهف .
قالت : عرفتكَ ، وأهلاً بك .
صعدتُ بمشقـّـةٍ على تلـّـةِ رملٍ صنعتها الرياحُ حديثاً ، ولمـّا وطأتْ قدمايَ تلك الرمال تذكرتُ أولَ من وطأ القمر ، فغاصت قدمايَ حيثُ بدوتُ بدونهما أقصر؛ لكنّ التأمل في الصحراء حلـّـقَ بي أبعد؛ فشعرتُ كأني مجرّد نغمة في أوتار الكون ضمنَ البعدِ الرابع .
تساءلتُ : هل الأشياء التي أمامي حقيقةٌ أم خيالٌ وظلالٌ أم رموز ؟
وهل الكون كـُـلـّهُ ملفّ ٌ مضغوطـٌ في حبـّةِ رمل ؟
أثناء تأمـّـلي لفت ناظري حادي الجمال ؛ فإذا بقوافل تعبر الصحراء يقودها عرب .
سألت ُ الصحراء : أين يسيرون بِمـَـتـْـبوعيهم ؟ وهل وجوه هؤلاء القادة حقيقيّة أم لكلّ ٍ وجهان ؟
إذا كانوا كذلك فلأنّ متبوعيهم كذلك همستْ بذلك الصحراء في أ ُذُنَيّ َ .
فأجبْتُ : هذا عدلٌ .
وحين أردتُ العودةَ إلى أرض الواقع كان الرمل قد وصل إلى ركـْـبَتـَيّ ِ .