وأنا أساوم ذاك الانتظار
زهر البيلسان/ فلسطين
ها أنا ذا أجلس للمرة الأخيرة هنا، أودع شمسا تغييب، تغادر بعيدا تأخذ معها أسرارا ومشاعر كنت أبثها مساءاتي الخالية، إذا أشرَقْتِ صباح غد، ولم تجديني فلا تبوحي بما نثرته بين سطورك، كانت فضفضة لك وحدك يا صديقتي، سأراكِ في مكان آخر، وفي مساءات أخرى لا تشبه هذه المساءات التي لا تتكرر إلا نادرا، فأنا في زحمة انشغالاتي اليومية وحياتي الروتينية أفتقدك وأحن إلى لحظات صفاء تتعذر بدونك.
عندما تعانقين البحر، أعانق حبيبا غاب طيفه بغيابك، تنامين بين أحضان من تعشقين كل مساء وتختفين، فتستثيري في خيالي كيف يكون اللقاء بعيدا عن أعين الفضوليين مثلي، فأنام بين جفنين يكحلهما سواد الليل، لا أجد إلا خياله وبضع كلمات يسطرها باقتضاب على لوح أفق إلكتروني، أحدق فيه واسترق النظر إليه بين فينة وأخرى، لعلني ألمح بعضا مما يجود به ذلك الساكن في خيالي المحمل بصوره .
أتذكرين يا صديقتي؟!!!
هو هناك في الجانب الآخر من هذا الكوكب وأنا هنا، طقوسك كانت تجمعنا، فكم جلسنا معا ننتظرك عندما تتهيئين للغوص في أعماق ذلك العاشق الأبدي لضفائرك الذي يغازلها بموجاته ويسحبك بحنان تستسلمين له ويطفئ لهيب الشوق عندما يلامسك فتنسابين الهوينا صبية خجولة تستسلمين لنداء الطبيعة بين أحضانه، وتحتفلين معه بلقاء تتراقص النجوم على ألحانه والقمر يعكس نورا منكِ منسابا ضياء ينير الكون كله، ينتشي بسر كينونة هذا الانصهار والتمازج بين نار وماء.
لا أدري هل البحر يطفئ جمرك ليلا ليشعلك في صباح آخر؟ تشرقين بكامل أنوثتك متجددة متوقدة متأهبة، ليأتي المساء به عاشقا وَلِها لا يمل الانتظار، ليت حبيبي يشبهه، ليته يحمل الشوق لي كما يحمل البحر لكِ، أصبحت أغار منكِ ومنه، علميني كيف أجعل منه عاشقا أبديا كبحركِ، فأنا أخاف تقلباته فهو كل يوم بحال؛
يوما يشكّ ويوما يغارْ
علميني كيف أقلّبه على جمر نارْ
فلا يطفئ لهيب شوقه غيري،
ولا يعرف غير دربي مسارْ
دليني يا صديقتي
فقد تعبت من فتح أصداف المحارْ
أفتش عن سحر يبقيه بقربي
حتى وإن فصلت بيننا أمواج بحر أو مدار!
أضناني شوق إليه
وجفاني النوم وأنا أساوم ذاك الانتظارْ