أراك في كل دفقة من نور الله!!
فراس حج محمد /فلسطين
حلمت بك طويلا، فتعلقت روحي بروحك، وتمازجت ذاتي بذاتك، فتلقتني السماء بأجنحة ملائكتها حبورا ومحبة، فنهلت صفاءها وتعمقت براحها وجمالها، فملكت علي الكون بأكمله، فصارت الأبعاد بعدا واحدا، فتحطمت وتلاشت كل قوانين الفيزياء والطبيعة، لقد نما في فضائي فضاء آخر بأبعاد أخرى، ليس لها قانون إلا قانون قلبك وحضوره، فقد أصبحت سكينة العين ورفيقة النفس، ونبض القلب، صرت كل الوجود يا نعمة الوجود.
حلمت بك طويلا، فأتيتني في وقت جف فيه رواء الحياة وقلّ فيه ماء النماء، فأعدت الحياة إلى جادة صوابها، وأفضت نمير الماء رقراقا في تربة تشتاق الشمس والحرية والنور، فأزهرت الدنيا، واخضرّ عود ورودها، فتفتحت أزهار البساتين، ونفضت عنها غبار الخريف، لتغتسل بمياه الألق النابع من حضورك، فزيدي تأنقا وتألقا، واستعدي لزخرفة المنى حقلا من جلال النجوم الناظرة بوله إلى نور وجهك الباسم.
كنت، وما زلت، قمر الليالي الحالكات، فيك من الصفات العليا ما لا يستطيع يراع أن يضاهيها مهما كانت بلاغة الكلمات والتعابير والصور، لقد فقت الوصف، فقصرت اللغة عن الكلام، ولاذت بصمتها، وهي الآن تتحدث عن عجزها عن إمكانية القدرة عن أن تكتب في وصف روحك السامية المجبولة باليقين والرضا.
كنت، وما زلتِ، كوة تنبعث منها المعاني والصفات العظيمة، فكل عظيمة لك فيها نصيب، فلك من البدر نوره المنساب يحدث عن ذلك الشعاع الملائكي المستكن في عينيك الحالمتين الناعستين، اللتين يحدثان بأحاديث الاستشراف والنظرة الثاقبة في النظرة للحياة والناس ودنيا الناس.
كنت، وما زلت، كالشمس ضياء، لا ينكسف لها شعاع ولا ينكسر لها وجه، يعشى الناظر إليها إن رنا، وتنحط قدرة الواهمين على أن ينظروا ويتأملوا في عينها، فمن يستطيع أن يخجل الشمس بالنظر إليها؟ ومن يستطيع أن يكتب على جدرانها، لا شك بأنه واهم وجاهل فاقد لعقله، فلا يفكر بصراع الأبدية إلا المجانين.
كنتِ، وما زلتِ، السماء الصافية ببراحها وانفتاح آفاقها نحو المطلق الممتد في رحاب المولى الكبير، لك منها رفعتها وتساميها، ومعارج الرؤيا الكاملة المكتملة، لك من السماء زرقتها نورا يحدث عنك بالحكمة يا سيدة الحكمة، لك من السماء اتساع القلب محبة وإنسانية وجمالا، لكل من السماء رتاج الأقدار ومفاتيحها، لتكوني سيدة الأسفار بآياتها وتكامل سورها في كتاب الله الخالد، إنسانة لا تعرف إلا المعالي ولا ترضى إلا بالسمو.
كنتِ، وما زلتِ، المرأة المكتملة الناضجة، كزهرة التوليب حياء وسحرا وجمالا، كنت مثلها سيدة الزهور، وسيدة النساء، سيدة الغاديات من السحائب المشبعات والمحملات بأنقى حبات الخير، غادية تمطر لألئ من بهيّات الثمار المشتهاة لكل صاحب يراع، ليصوغ ما تدانى من دوحتها ببعض سطر لعله يظفر بالأمان، ويحوز القبول، وإذا به يفتش عن أنامله التي تآكلت وانعدمت قدرتها على أن تقول أو تكون.
إنك ما زلت هنا، ما زلت هناك، ما زلت في عمق أعماق ذاتٍ تغربت عن ذاتيتها لتكون معك، تفتحتِ كفكرة، واشتعلت كمعنى، وتساوقت مع أنساغ الزمان حضورا، فلن تغيبي عن القلب، وإن غبت عن العين، ومن قال إن المحب لا ينظر إلا بعين باصرته؟ فأين ذهب القلب وبصيرته؟ فمن من المؤمنين يرى الله بعينه؟ فعندما تحل الروح بالروح وتسكن الذات الذات فلا حاجة لقوانين البشر، هكذا أراك في كل دفقة من نور الله في كل يوم، إن حلمت بك، فليس اشتياقا للرؤية، بل إنه الحلول بك ذاتا واحدة، ومن قال: إنه حلم، إنه عين اليقين.
كنتِ، فكان النور، كنتِ فكنتُ، فلن تُتْعِبَ الحياة روحك الأثيرية، وتلطفي بهذه الذات الساكنة ذاتك، فلا تصيبيها ببعض السأم والألم، ولتعهدي للأمل بأن يظلّ راسما للمشهد لنحيا بالحب ولأجل الحب، ولتقتلي الأوهام التي تسربت، ولتغتنمي نعمة الحياة وجلال الأقدار التي ساقتني إليكِ، وساقتْكِ إليّ، فأنت هداياي المنتقاة، فأنت قُبْلة الحياة وقِبْلتها، فلا تُتْعبيني وتَتْعبي.
لك من غادية روحي الهائمة سلام ممزوج برائحة قهوة الصباح، لنشربها سوية ذات لقاء، ربما أزف الوقت، فاستعدي للقاء، وأعدي فنجانا واحدا فقط، فلسنا بحاجة لفناجنين!!