من كل وظيفته ، لكل تقديره
من كل وظيفته ، لكل تقديره
إبراهيم جوهر - القدس
غيوم الصباح الدافئة تغطي السماء . الغيوم تحجب الأفق الذي أطلّ منه على ما وراءه ؛ أرى ، وأقرأ ، وأتخيل ، وأبتعد باحثا عن توازن مفقود .
الأفق غاب هذا الصباح . الغيوم غيّبت أفقي .
اليوم أعود إلى عملي ؛ أعود إلى تواصلي مع من يسمعني ويفهمني ، ومع من يقف على الجانب الموازي رافضا ، هازئا ، مهتما بأموره البعيدة عن مائدتي .
الأضداد دائما تتعايش ، تقترب ، وتتوازى فيبين الفرق ؛ بضدها تعرف الأشياء ، وتتميّز .
اليوم (أسافر) إلى السواحرة الشرقية مرورا بالطريق الالتفافي الطويل الذي أوجده الجدار وأجبرنا على السير عليه . المعبر القريب لا يسمح بالوصول . لو سمح لي لوصلت المكان في أقل من سبع دقائق . الآن تسرق الطريق ساعة .
لا قيمة للوقت ، لا قيمة للإنسان .
قرأت أنباء حول النية باحتلال الضفة ( أليست محتلة حتى الآن ؟!) ، وإعلانات تصالح اجتماعي و(كرم عربي أصيل) ! وترجمة لافتتاحية صحيفة اسرائيلية يسارية حول واقع التفرقة في التعليم بين الجانبين العربي واليهودي ، ونبأ عن ابتعاد حل الدولتين .... وانتقادا للّغة المداهنة الخادعة بادّعاء (الفوز الساحق) !
التفت بإعجاب شديد إلى الردود المسؤولة المصاغة بأسلوب أدبي ذي وضوح وجمال وغنى وهي تعلّق على يومياتي هنا .
قال أحدهم : أنت تبني منتدى للكلمة الصادقة .
وقال آخر : أنت تشعل حرائق .
وقال ثالث : أنت تثير الأسئلة لتوقفنا على عيوبنا .
.... هل يمكن أن تكون الكلمة ديكا يوقظ الحي ؟؟ إذن نحن بخير .
النهار تغطي وضوحه الغيوم .
جاري البلبل لم يغب هذا الصباح ، أطربني وأتعبني وأنا أتابع فك رموزه المموسقة.
أصوات ديكة الحي سمعتها بكسلها المعهود . كانت في السابق حادة ، متفائلة ، نشيطة ، ملحاحة تجبر سامعها على الاستيقاظ والعمل والنشاط .
الديكة أضاعت هويتها ، وتخلت عن وظيفتها مثل قطط الحي تماما التي لم تعد تصطاد الفئران واكتفت بالتمتع السلبي في حاويات القمامة .
كل من يفقد وظيفته يفقد مبرر وجوده ؛ الديك لإيقاظ الحي ،
والقط لإبعاد الطاعون ،
والبلبل للطرب وريّ الروح .
(من كل وظيفته ، ولكل تقديره ) .