إلى الجحيم أيها الخروب
إبراهيم جوهر - القدس
استبدلت الخروب بالقهوة . قررت العودة إلى شراب كنت آلفه وأشتهيه في زياراتي للقدس العتيقة ؛ شراب بني ساحر في وعاء زجاجي تعلوه مكعبات الثلج ، يسكب البائع منه للشاري وهو ينادي : (خروب العسل ) بطريقة طالما شدتني في طفولتي .
القهوة رفيقتي الدائمة في رمضان بعد الإفطار مباشرة حتى ساعة متقدمة من فجر اليوم التالي ، اليوم قررت (منحها ) إجازة وأنا أكتب هذه الكلمات ، فالخروب طالما ظلمناه ، وظلمته الأمثال التي تقول فيه ( قنطار خشب وغرام حلاوة ) . فالغرام الوحيد القليل قد يغلب قنطارا من خشب !! أو من إهمال !!
المهم ها هو الخروب رفيقي في هذه اللحظات التي يتواجد فيها الآلاف في ساحات المسجد الأقصى وهم يحيون ليلة القدر .
كتبت لصديقي ( جواد كبها ) أمس وهو يطلب مني أن نلتقي الليلة في المسجد الأقصى : لن أذهب يا جواد لأنني لا أطيق الزحام والفوضى ومنظر أكوام القمامة والوجبات الجاهزة وهي تتراكم في الساحات ...
أهرب من المنظر المزدحم ، وأترك الساحة لمن يحتمل ، ويتوق ... فبإمكاني الذهاب في أي وقت أشاء . الليلة فرصة لمن يحرمهم الجدار الشاروني من رؤية القدس والأقصى ومن إحياء ليلة القدر ولو بسلبيات باتت مألوفة .
الخروب تعرفت على شجرته في أعقاب العام اللئيم (1967 م.) حين أزيل سياج هيئة الرقابة الدولية (مقر المندوب السامي البريطاني على قمة جبل المكبر الذي كتب فيه حينها "زيتونة فلسطين" الشاعر أبو سلمى : جبل المكبر لن تلين قناتنا حتى نهدم من فوقك الباستيلا ) . السياج الذي أزيل في أعقاب الاحتلال الذي أكمل ما تبقى من فلسطين التاريخية أتاح لي التعرف على شجرة الخروب ، وقرون الخروب الجافة والخضراء التي لم تجف بعد ، فأحببت تجريب طعمه وتذوّقه ، فكانت تجربتي مع البائع الذي ينادي ( خروب العسل ) . الخروب الليلة على مائدتي وهو يحمل شيئا يشبه الخروب وقليلا من الماء والسكر !!
أشربة رمضان التي تباع فيها كثير من الغش .
ماء ، وسكر ، وشيء من نكهة الشراب المنوي تسميته !! وسعر غال . في رمضان تكون فرصة الغش ، والبيع ، والتكالب على الدنيا والربح بكل طريقه . في رمضان لا تحل ثقافة الزهد ، ولا معنى الصيام .
أشعر أننا ما زلنا بعيدين عن المعاني دائما ....
تعمّدت مراقبة الطائرة المتوجسة وهي تحوم في سماء القدس ؛ الطائرة تثبت حضورها الاستطلاعي .
( ما الذي يدور في ذهن قائد الطائرة وهو يراقب حركة الحشود الرمضانية في ساحات الأقصى وطرقات القدس ؟؟ ليتني أتوصل إلى كلام متخيّل ...)
اللية ستكون فرحة لصديق ولدي (رئاس) الذي حضر زائرا خصيصا للصلاة في المسجد الأقصى وزيارة ما يتاح له من مدن البلاد التي يسمع عنها ؛ يافا ، حيفا ، بيت لحم ، رام الله ....أربعة أيام ليست كافية لتعيش همّ البلاد يا ولدي الداخل إلى بلاده بجواز سفر أسباني !
( شكرا للجواز الأجنبي ، فله محاسنه أحيانا )
غرام حلاوة وقنطار خشب .
جواز سفر أجنبي يتيح رؤية البلاد والعيش فيها لأيام .
( هب جنة الخلد عدن ، لا شيء يعدل الوطن ) ؛ لا شيء يعدل القهوة ، وليذهب الخروب إلى الجحيم .