لا تغيير
إبراهيم جوهر - القدس
واصلت ليلي بمحطاته المتباينة حتى وقت السحور . كنت جائعا بسبب السهر .
سيطرت عليّ فكرة الزمن . ها هو شهر رمضان يعود .
( في كل رمضان ينتابني إحساس غامض من الحزن والذاكرة والتاريخ ...أعود إلى طفولتي الرمضانية ، وشبابي ...أسترجع رمضانات خلت كأنها كانت أمس ؛ أعيش الحالة وأستعيد الوجع ...)
سحرا رسمت المعادلة الزمنية من وحي رمضان .
رمضان يعود على وقته كل 33 عاما . اليوم سحرا قلت وأنا تحت تأثير ذاكرة رمضان : في مثل هذه الأيام من رمضان قبل 33 عاما كنت في (الخليل) ! تنعّمنا وقتها ب(سلطة الطحينة) بسبب رمضان .
ها أنا اليوم أعيش اللحظة ؛ كنت شابا يافعا يمتلئ حماسا وثقة وحلما ونشاطا . بعد (جولة) مماثلة سأكون في ال89 إذا قيّض لي البقاء ، وسيكون حفيدي (إبراهيم ) الصغير في ال 33 من عمره ...
يسيطر عليّ هاجس العمر والسنوات والمستقبل الذي ( أهرب ) إليه من الواقع .
سأكون ...إذا قيّض لي البقاء والكينونة ، أقول لنفسي الآن ... وماذا سيكون عليه ( حالنا ) الجمعي ؟!
بعد 33 عاما ! هل أستطيع رسم عالمي وأنا لا أدري ماذا يخبئ لي يوم غد ؟!
اليوم جلت شوارع قريتي المهملة . (فرحت ) فرحا نسبيا حين وجدت الحفر قد سويّت !
( حسنا ...ها قد أخرجنا الأرنب من البيت )
في فرع البريد الذي افتتح مؤخرا في بلدتي دفعت فاتورة المياه ، ومخالفة الوقوف البلدية التي تصيّدني بها موظف المخالفات البلدية يوم حفل تخرّج صفوف الثواني عشر مع بداية شهر حزيران الفائت .
( للمرة الثانية على التوالي يخالفني الموظف البلدي بسبب الوقوف على رصيف الشارع القريب من مبنى جمعية الشبان المسيحية في الشطر الغربي من القدس . هو يعلم موعد الاحتفال ويتوقع بحكم عمله وخبرته وجود أعداد من السيارات العربية في المنطقة ...هذه السنة "زارني" قبل الموعد المسموح فيه بالتوقف بثلاث دقائق ؛ عند السادسة إلا ثلاث دقائق تماما ...)
يوم رمضان الثالث هذا اليوم ؛ بدأ جسمي يتكيف قليلا مع برنامج رمضان بلا قهوة صباحية ولا سجائر ...
قرأت رواية ( إبراهيم العلم ) التي جاءت بعنوان ( حارة المشارقة ) التي سنناقشها في الخميس الأول بعد عيد الفطر .
الدكتور الناقد (إبراهيم العلم ) أستاذي في الجامعة درّسني مساق ( الأدب الفلسطيني ) وزميلي في اتحاد الكتاب . رجل مهذب شديد التواضع لا تملك إلا أن تحترمه . كتب في ( حارة المشارقة) واقع البلد والتغير والناس والثقافة والانتماء . انتقد إعدام الأشجار في رام الله لتقوم (أشجار) الإسمنت مكانها . لم تعد رام الله كما كانت ...
قائمة انتقادات مسلكية في الناس والمسؤولين أشار إليها الكاتب بنقد اكتفى بالتلميح دون التصريح وهو يحكي ويقص حكاية بلد وإنسان . لم يعبأ كثيرا بجوّانية الشخصيات بل اكتفى بدورها في الحدث وتسييره . ولم يغص في اللغة الأدبية على حساب الحدث بل حافظ على تطوره وأبعاده الرمزية .
يراكم الكتّاب آراءهم في السياسة والاجتماع فيصدرون ويكتبون ، ونناقش وننشر ونحلل ....لكن الواقع يواصل سوءه بلا تغيير ولا مراجعة ...
( أنتم تقولون ما تشاؤون ، ونحن نعمل وننفذ ما نشاء ...)
رمضان شهر التغيير ...لا تغيير سوى في العادات اليومية .