بين الميلاد والميلاد جليد أو قضم تفاحة!!
فراس حج محمد /فلسطين
ما بين الموعد والموعد ذكرى، وما بين التاريخين شراكة، وما بين المولدين تعانق واتفاق، فالسلام سلام الروح، لا سلام الحروف، والنبض نبض القلب لا جنوح الذكريات في مشاعر معلبة، شعور بزقزقة العصافير مع كل إشراقة فجر، تصنع أسبابها، لتتعلق بالمطلق ولتسافر على أجنحة الخيال الراقص، معلنا تحقق المعجزات في يوم تقبض فيه الأماني على جمر الحلم لنكون مقاومين العبث والعدم، وحجارة الطريق فلنكسرها، أو لنتجاوزها، فلا درب بلا حواجز، ولا حياة بلا مشقة، ولا ليل بلا ريح عاتية، ولا بد أن ينبلج الصباح أخضر زاهيا ليعلن أنه يتنفس بحلم جديد وميلاد جديد.
سنوات تضاف إلى أعمارنا ليس لمجرد التراكم الكمي الزمني، بل لنتعمق الحياة، وندرك أن فوات الأوان من الخسران المبين، فلم يرحمنا عجزنا وقصورنا إذا لم ندافع عن آخر حصون القلب الممتقع بالذكرى الجارحة، ستلومنا كل ذرة من ذرات هذا الكون التي شاهدت وشهدت تعاسة الأرواح وتكلّس القلوب، وقد ران عليها الران وتبلدت الأحاسيس، وما نفع أن تكون مرهفة شفافة وقد ارتمت من فرط حنينها مقتولة ترجو الهدى والرضا وبلة الريق من عطش لا ينتهي؟؟ من بعد أن تراجعت لتكون في ثلاجة الموتى، لا لشيء إلا لبعض ريح عاقر، لم نحسن التعامل معها فكنا من الخاسرين، والقائمين في أحزاننا والسابحين في معارج الحنين برحلة لا تتوقف ولا يبدو سكونها ممكنا، فالزمن يمدها بناره، وينفخ فيها من روحه لتظل أبد الدهر مشعة بالوجع المقيم!!
كل يوم يكبر فينا الحزن ويتمدد بحجم طاقة الكون غير المتناهية، فلا هو يعلن استسلامه، ولا القلب يعلن انسحابه، فكل منا حريص على قتل صاحبه، ليتركه حرفا نازفا مع كل نفَس، فكيف لحزن أن يهزم إنسانا عرفه ورباه "كما يربي أحدكم فلوه"، خبره واختبره، وكان من خلاياه، لقد صاحبه عمرا مديدا ناتئا بالجروح والقروح، فصار خبيرا بالحرب التي لن تتوقف لحظة، فهل لهذا الحزن أن يهزم إنسانا تصادق والحرب واللظى واشتعال الذكريات في كل دقة قلب!!
الحزن مهزوم وهازم، والقلب مقتول وقاتل، والليل شارح أسارير التعب الغريب المنشورة في كبد السماء اللاهبة، الحزن مهزوم، متصدعة أركانه، متشققة جدرانه، والقلب مهزوم مشقوق إلى نصفين وبعض شظايا، لا ينوح ولا يبوح، لا ينام ولا يصيح، لا يعرف إلا من الذكرى بعض أشباه الرؤى المنذورة للريح، فسبح بحمد خوائك وكن لليل سطرا من جنون!!
الروح ستحيا من جديد، في عام جديد، على حزن جديد، لتكتب من الألوان أقتمها، ومن الآيات أشدها إيلاما للآثم المهين، ستظل تدور على محيط دائرة لا تتعب من التكرار، مهما كان الحكم الصادر بحقها، ليس لديها استعداد أن تنكص عن عقبيها لتسبح في فلك جديد، فالروح لم يعد فيها إلا نفَس واحد يتردد ذاكرا من الحروف أربعة، ومن الكلام جملة واحدة مهداة لامرأة مصوغة من رحيق الورد: أحبك، فكل عام وأنت الحب.