الذكرى والنجاة بأعجوبة!!
إحساسات فادحة
الذكرى والنجاة بأعجوبة!!
فراس حج محمد /فلسطين
اليوم، نجوت من الذكرى بأعجوبة، وتفلتُّ من براثنها وأنيابها القاطعة ومخالبها الحادة، ولكن إلى متى سأظل هاربا، وتلاحقني؟ فلعلها تظفر فيّ يوما فتودي بي في "حادث مؤسف"!!
اليوم، تمددت الذاكرة بكل جسدها المشع، لينكشف الحجاب عن الغياب، فيتبلج حاضرا مرئيا، ولكنه جارح مقيت أليم بحضوره، فيغرق الروح بأبدية الحزن التي تسبّح في ملكوت شقائها بكرة وأصيلا.
اليوم، تنسج الأوهام حبكتها، وترمي شباكها لتصيد الشوق وقد حاول الاختباء في أعماق المجهول، فأعادت له الحياة، ونشرته تحت أشعة الشمس الحارقة، فتسري في عروقه حياة، ولكنها غير مكتملة، هي مرتبة بين الحياة وبين الممات، بين الشك وبين اليقين، بين الأنا وغيابها في حرقة لا تنتهي.
اليوم، تلت التراتيل ألحانها على عزف منفرد على أوتار الذكرى التي تقطعت وتبتلت في حريق سعيرها، فتمرغ صاحبها متعمدا برمادها، ليتحول ذرات مسحوقة تسافر عبر المسافات المديدة بلا قرار، وبلا استقرار، فيرتطم بصخور الغربة والغرابة وبالإحساس الجميل بأن الموت أجمل نهاية متوقعة لإنسان تعامد وتعاند وتساند مع عمود القهر النازل قدرا وقضاء قاضيا، فيجلب العناء في كل هبة ريح، ومع كل ديباجة من سطر.
اليوم فقط أدركت أن الزمن عامل إغواء وإذكاء نار، وليس عامل تهدئة وإشباع للخواء والسكينة، فالليل القادم سيكون أطول، وساعات النهار المتسارعة ستكون أجرأ في غرس الذاكرة بأعشاب الذكرى المتطاولة المتسلقة جدران الحياة، لتخفي غيرها، ولن تجد في ظلالها إلا ما يشبع نهمهما في السيطرة والتحكم المفضيين إلى درب واحد لا غير.
اليوم فقط، أدركت أن الذكرى قاتلة، وبأن من سينجو منها لن ينجو إلا بأعجوبة، ولا بد من أنها ستودي به يوما، وتتركه شاهدة قبر منحنية خالية من أي تاريخ، لأن الذكرى لا تعترف بالوقت، فهي أبدية وسرمدية.