أين الأستاذية وأين ألق الكتابة؟
إحساسات فادحة
فراس حج محمد /فلسطين
يلقبونني بالأستاذ والشاعر وأحيانا بالكاتب والناقد، وكلها صفات ما صدّقها الواقع يوما ولم يأت لها ببرهان، فأين الأستاذية، وقد هزمت في معارك نفسي، ولم أحسن سياسة روحي المذبوحة على شفير وشخير الجنون؟
وأين الشاعر؟ ولم أشعر أو أستشعر بفراسة الجنوح نحو الهاوية ما كان ينبغي أن أعرفه، لقد أفقدتني التجربة الإحساس بما يجب أن أشعر به! حتى غدت أمنية البعض أن أقول لهم كيف يجب أن يُفْهِمونني كيف يجب أن أفهم أن فهمي عديم وسقيم، وأنني لم أعد أستوعب، فقدتُ ذكائي، فهل يبقى الشاعر شاعرا وقد فقد أهم ما يميزه من الحدس والرؤيا؟
وأين صفة الكاتب؟ التي لم تجلب لي إلا مزيدا من الكشف العصيب عن أحاسيس الموت المجاني، فلا أنا بكاتب ولا ناقد، فكيف أكون ناقدا، وأنا لا أحسن صوغ أحلامي لتكون على قدر ما أستطيع، يا له من اكتشاف عجيب! أن نجوم السماء أقرب من حلم بسيط، وما الجديد؟ فهل استطعتم أيها الناس أن تحجروا على نجمة في أعالي الكون؟ ولماذا أنا ترتبط أحلامي بالنجوم دائما، لأسمع كل مساء أو صباح أن نجوم السماء أقرب من كل أوهامي، فمنذ أن تفتحت ذاكرتي وأنا أسمع بأن نجوم السماء أقرب لي، ولكنها لم تكن قريبة يوما، لعلها كانت أقرب للمجانين، أم عقلاء المساكين أمثالي فإنهم لم يطلبوا نجوما، فبصفتي واحدا منهم لم أطلب الثريا أو السماكين أو أي نجوم قريبة أو بعيد، مجهولة أو معروفة، أبحث فقط عن حلم بحجم راحة الكف ليس إلا، فهل هذا الآخر نجم سماوي، لم أسمع باسمه حتى الآن؟! إحساس فادح أليس كذلك؟ أن يستكثر عليّ الكرام الواعون طلبا كهذا!!
ولكنها المعركة، فإن خسرت بعض جولاتها، فإنني لم أصل إلى نهايتها بعد، ولم أرفع الراية البيضاء، ولم أعلن انسحابي؟ فما زال الغيب مفتوحا على توقعات قد تسر البعض، وقد تسوء آخرين!!
كانت تخبرني يمامتي الوديعة دائما أن المعركة ما زالت في بدايتها، لم تبدأ كما يجب، وأن الدرب طويل، وأن الجولات حامية الوطيس لمّا تشرعْ في نيرانها بعدُ، يبدو أنها كانت تعرف بحدسها أن هذه الجولة كانت ذات خسائر لا تعد ولا تحصى، من الألم والشوق والحنين والمشاعر المحبوسة والمكظومة.
مستعد لنبوءة اليمامة، ولن أسلم بهذه السهولة، على الرغم من افتقادي كل الصفات والألقاب إلا من صفة واحدة هي أنني ما زلت أعيش وأتنفس، وهي ما زلت تقول: إن الحياة ممكنة، وما زال في البال هديل شجي نعده سويا لأغنية جديدة نصوغ لحنها معاً كأعذب ما يكون، وصورة نؤطرها في زوايا القلب، يخبئها لنا الغيب الذي لن يخذلنا!!