ما نفع الأبنية الفخمة إذا كان الطلاب لا يقرؤون؟؟
وخزة ضمير (14)
ما نفع الأبنية الفخمة
إذا كان الطلاب لا يقرؤون؟؟
فراس حج محمد /فلسطين
يُنفق على بناء المدارس في فلسطين الأموال الطائلة، والتي تكون بأعلى المواصفات وأرقاها، وتكون معدة ومجهزة بكل ما تتطلبه البيئة التعليمية من إمكانيات مادية، من غرف صفية صحية واسعة، بمقاعد وإضاءة وألواح مناسبة، ومختبرات علمية، تتوفر فيها الأجهزة اللازمة لعملية تعلم وتعليم مشجعة لنشاط تعليمي حقيقي، ولكنها لم تجد كل هذه التجهيزات ما يليق بها من متعلمين يقبلون على عملية التعليم بشغف وحب، فتطلق تنهيدة حرّى تكاد تحرق كل جهد مبذول من أجل ذلك الإعداد المصروف عليه من أموال الشعب وأموال المانحين، ما لو وزع في جهات أخرى لربما أتى بنتيجة أفضل لهذا الشعب المغلوب على أمره، فيا ترى ما السبب في كل هذا النكوص لدى هؤلاء الطلبة عن الانخراط في عملية تعليم هادفة وحقيقية تؤدي إلى النهوض بالعقليات والنفسيات لهؤلاء الطلبة العازفين عن تقدير قيمة العلم والثقافة؟
وجع حقيقي ينتاب النفس وأنت تلاحظ كل ذلك، فقد أثبتت مخرجاتنا التعليمية أنها مخيبة للآمال، ولم تصل إلى الحد الأدنى من التوقعات، فنتائجنا في تراجع، سواء على مستوى الاختبارات الدولية التي يشارك فيها طلابنا أو الاختبارات الوطنية أو الاختبارات الوزارية الموحدة ناهيك عن النتائج المفزعة للطلاب في الاختبارات المدرسية، ومع أننا نعرف ذلك ونتيقن من صدق مؤشراته إلا أن الإصلاح وتغيير الوضع ليس في إستراتيجياتنا، أو أنه ليس بمقدورنا.
فمن نلوم يا ترى؟ أنلوم الطلبة وحدهم؟ أم نلوم الهيئات التدريسية في مدارسنا؟ أم ترانا يجب أن نلوم ونساءل النظام التربوي برمته الذي لا يعنيه سوى أرقام مصفدة تشير إلى نجاح الطلاب في تلك الاختبارات؟ أم أن المسؤول عن كل ذلك أولياء الأمور الذين لم يعد يقدر بعضهم قيمة العلم والتعلم، وبأنها عملية لازمة لصقل الوعي في مستواه الفردي والجماعي؟ لعل كل واحد من هؤلاء مسئولٌ عن جانب من جوانب ذلك الخلل وذلك الخطر المحدق فينا ويهدد شخصيتنا العلمية والتعليمية.
فما الذي يدفع الطالب لأن يسرف من عمره سنين ليكسب، في نهاية تلك الرحلة المضنية الشاقة في معابثة كتب مقررة جافة ومكتظة وعقيمة، ليكسب قطعة كرتونية يعلقها على أحد جدران بيته، فتثير أوجاعه وآلامه بكرة وعشيا، وهو يقضي ما تبقى من عمره باحثا عن وظيفة، قد لا تأتيه إلا وهو في خريف العمر، وقد لا تأتيه بتاتا، وإن أتته فإنها لا تكاد تسد الحد الأدنى من طموحاته في بناء ذاته ليكون أسرة يضمها بيت متواضع لينعم مع أطفال، قد لا يستطيع مردود تلك القطعة الكرتونية أن توفر لهم حياة كريمة من ملبس ومطعم وتعليم مناسب.
وما الذي يشجع الهيئات التدريسية على الإقبال على التعليم وبذل الوسع والطاقة في الإعداد لعملية تربوية تعليمية هادفة، وهم يعرفون أن تلك الجهود ستذهب سدى، وبأن في انتظارهم هموم الحياة ومتطلباتها التي هي في ازدياد، فيكونون مشغلين بالبحث عن أعمال أخرى ليستطيعوا سد ثغرات مفتوحة على الهباء، فكلهم ذوو مسؤوليات متزايدة، لا تستطيع رواتبهم في حال انتظامها أن توفر لهم ربع ما هو مطلوب وأساسي، فكيف الحال إذا عاش الموظف هم الحصول على راتبه في موعده، سيكون بلا شك أكثر اضطرابا وقلقا على مصير نفسه ومصير من يعول!!
نفثة مصدور يرى كل ذلك يوميا في عيون الناس كل الناس، الذين أصبحوا يشكون في وجود إمكانية الحلم بمستقبل مشرق في هذا البلد، وقد سيطرت عليه سياسات لا تهدف إلا إلى ترويضه وجعله إنسانا لا يفكر إلا بيومه وديونه، فهل مثل هذا الشخص سيحلم بتغيير واقعه، وهو أصلا مرعوب من انقطاع راتبه، فصار حال الناس المثقف وغير المثقف، كما يقول المثل الشعبي (امش الحيط الحيط وقول: يا ربي الستيرة)، فالكل يخاف من المستقبل، وغدا محبطا إحباطا حقيقيا، لا يدفعهم إلا إلى التثاقل وجرجرة الأيام، منتظرين المعجزة التي لن تأتي بالتأكيد، لأننا لسنا في زمن المعجزات، وإنما في زمن تجرد فيه الإنسان من معرفة ذاته وأصبح يشك بقدراته، فما العمل أيها المحترمون؟ لقد اتسع الفتق على الراقع، وصارت الحياة قائمة على انتظار الموت لعله أسهل مأخذا من جحيم غدت نار رب العالمين صفرا بجانبه، فإنك لن تخاف وأنت بين يدي الرحمن الرحيم، ولكنك ستكون في أشد حالات الخوف والترقب وأنت مجرد لعبة بين أيدي هؤلاء السارقين الحلم والأعمار، ليحولونا في حياتنا ومماتنا إلى مجرد أرقام في سجلات الأحياء وسجلات الوفيَات ليس إلا.