نوارس الشاطئ لا تضل أعشاشها
نوارس الشاطئ لا تضل أعشاشها
نايف عبوش
منذ ان الف التردد على شواطيء دجلة،في صباه، كان يلحظ طيور النوارس ،تحلق فوقها زرافات ووحدانا ،في سماء بهية، تزيدها زرقتها بهجة وسحرا، يضاف الى سحر زرقة ماء دجلة العذب، المنساب بتمهل خلاب، موحي بالرقة والحنان،بعد ان تنعكس صور نوارسه في مجراه،وهي تنشد معزوفة الحب ،كلما ارتفعت في طيرانها، لتغادرة اعشاشها بحنان متوجد،تزيده مشاكسة موجات الزاب، المتدفقة بسرعة،ممزوجة بنزق انحداره الشديد، صوب رحم امه دجلة،وجدا آخر، ليعكر بهذا المسلك، انسيابات مزاج دجلة الهاديء،المزهو بخيلاء العطاء الثر، بسلاسل متداخلة من الامواج الغائرة نحو الاعماق،كأنها جنيات تبتلع بهاء النهر الساحر.
وبين احراش الطرفا ،واشجار الصفصاف ،المنتشرة في جزرات مبعثرة عشوائيا، على ضفتي النهر،كانت النوارس، تتجول محلقة في اسراب متتالية،كأنها سحابة بيضاء مثقلة بالبرد المركوم،فتبدو كما لو انها مسافر،بدرب طويل،وعليها ان تكابد شوق الغربة المؤرق،ولو كانت المغادرة مؤقتة ،ريثما تعود بعد حين، الى حيث مأواها، الذي الفته منذ صغرها ،فلم تعد تستيغ عنه بديلا،حيث لاتحس بالسعادة الا في كنفه، مهما صادفها من مغريات ،في رحلة غربتها الدورية،بحثا عن رزقها، في ضفاف النهر المترامية ،روحة وجيئة.
على ان نوارس شواطيء الديرة ،بحبها الفطري، لاتخطيء اعشاشها ابدا، مهما عصفت بها اجواء الطقس.فتجدها في الاجواء العاصفة ،والاجواء الهادئة سواءا، تتحدى تلك الصعوبات ،بمجرد احساسها انها في مشارف اوطانها، فتقبض عندها اجنحتها بشدة، لتحط بسرعة،مفعمة بشوق مفرط، الى اعشاشها الدافئة،لتمسح اجنحتها المرهقة من عناء السفر،بجدرانها الوارفة تبركا بالعودة،و لتنهال على أفراخها بالمعانقة والتقبيل فرحا بالالتئام قبل ان تبدأ بزقها، بما تيسر لها في رحلتها، من الرزق ،الذي هو هبة الرزاق الكريم لها ،ولكل دابة في الكون، دون منة عليها من احد.
هكذا اذن يبقى الحب، والوجد، والحنين، الى الوطن،الى العش ،هو احد اسرار الحياة..فما من كائن حي ،الا وله طريقته الخاصة، التي الهمها اياه الخلاق العليم،في ولائه لوطنه.فلولا الحب،والوجد،والشوق للعش،والوطن،والافراخ،والاولاد،والاحباب،والمرابع،لما كان للحياة، والابداع فيها، أي معنى.