زهرة ياسمين دامية
زهرة ياسمين دامية
عائشة أحمد الكوفحي
في عمق ذلك الوادي المكسوّ بالأشواك، المهجور منذ سنين فلا تسمع فيه إلا صداك، الهمس فيه كان محظوراً، بل حتى اختلاس النظر كان يودي بك إلى زنازين عميقة تحت الصخور، لم يكن يتصور أحد أن زهرة ياسمين صغيرة، كانت ستخرج من بين الصخور، لتعلن ثورتها ضد الظلام.. و ضد الظلم.
لست هنا بصدد الحديث عن ثورتها، لكنني جئت أروي بعضاً من معاناتها وشقائها وبؤسها، صورة من صور ظلمها، ما يقارب نصف قرن من سياسة الصمت المفروض على الزهور كي لا تغادر براعمها، إنها سنوات بلا شمس، تلفها سحابة الذل والقهر، كانت تضرب بيد من نار كاوية على الحق ليعلو الباطل، فمن حاول التفكير "بالتفكير" لم يكن أمامه سوى ثلاث: موت قاسٍ، سجن بارد، أو غربة قاهرة.
ظلم تمثل بالقتل والتعذيب، بالكبت والتضليل، بالإدعاء الزائف..والتعظيم! زنازين ملئت بالدماء، وأصوات تصرخ من أصابع القدمين حتى السماء، ترجو الرحيل للحدٍ صغير، لم تكن يد الظالم تعرف طفلاً أو شيخاً، رجلاً أو بنتاً، كل ما تعرفه هو التغوّل في الظلم حتى تدوم فوق الجميع.
ما أرويه اليوم ليس محض خيال أو أساطير، كابوس رعب أو تصوير، بل هو الواقع المسكوت عنه منذ سنين، توارت الأعين عن رؤيته، و تنافست الألسن لتلميعه، لكن الحقيقة المرة تبقى ولو تظاهر الناس بعدم وجودها، تلك الحقيقة التي استنزفت قطرات دمي دمعاً، و سرّعت خفقات قلبي حتى ارتطمت ببعضها، لا أجد الكلمة المناسبة في معاجم اللغات لوصف من تغلغل الظلم في عروقه، وانساب من أنيابه، فشرد العباد، وغرّب عشرات الآلاف، و قتل الشيوخ و الأطفال و النساء، عذب العديد، بل تفنن بالتعذيب، باع البلاد للعدو الغريب، فرض التمجيد والتوحيد والتبجيل، لشخصه المقاوم الممانع للعروبة و التوحيد، سابق التتار.. وفاز في السباق!
لا أدري هل من ظلم أشدّ من هذا؟ وأشدّ مرارة من رؤية الوطن خلف الحدود البعيدة على بعد خطوات؟ وأشدّ حرقة من دموع الثكالى وصرخة الأسرى في زنازين الموت التي لا موت فيها إلا بشقاء الروح؟
إنه ظلم يباهي بكونه ظلماً، ويعلن في الملأ أن التاريخ لم يشهد مثله ظلماً من قبل.
أردتم مني أن أكتب صورة، لكني عرفت الآن أن الصورة لا تكتب، واسألوا الياسمين عن ذلك..