الخاطرة 17: قانون العلاقة (إمرأة - رجل)

خواطر من الكون المجاور..

ز. سانا

موضوع العلاقة ( إمرأة - رجل ) يعتبر من أهم وأخطر المواضيع التي يمكن ﻷي مفكر أن يكتب عنها، فوجود أخطاء في شرح طبيعة هذه العلاقة وخاصة إذا كان المفكر له مكانة عالية في عالم الفكر ، قد يؤدي إلى نتائج وخيمة على جميع العلاقات اﻹنسانية اﻷخرى في المجتمع. فالعلاقة ( إمرأة - رجل ) أو بشكل عام العلاقة ( أنثى - ذكر ) تعتبر هي السبب اﻷول لوجود وتطور كل شيء في هذا الكون سواء كان تطورا إيجابي أو سلبي، منذ ولادته وحتى يومنا هذا. أبسط مثال لتوضيح هذه الفكرة هو إنقراض أحد أنواع الغزلان في إيرلاندا. والذي كان سببه نوعية العلاقة (أنثى - ذكر) فقد كانت الصفة التي تجذب اﻹناث للتزاوج مع الذكور هي طول القرنين، فكانت اﻷنثى دوما تختار الذكر الذي يملك القرون اﻷطول. وهكذا مع الزمن بدأ طول القرن يزداد من جيل إلى جيل حتى وصلت مسافة طول القرنين إلى أربعة أمتار ( الصورة) و أصبحت حركة الغزلان بين أشجار الغابات صعبة جدا بسبب شدة طول القرنين مما أدى إلى سهولة أصطيادها من قبل الحيوانات المفترسة ومع الزمن إنقرضت بشكل نهائي. فسبب اﻹنقراض هنا هي اﻷنثى التي إختارت صفة طول القرون لتكون العامل اﻷول في علاقة (الأنثى – الذكر) .

العلاقة ( أنثى - ذكر ) لا تتوقف فقط على الكائنات الحية ولكن على كل شيء له وجود في هذا الكون فظهور العناصر الكيمائية (هيدروجين، أوكسجين ،كربون ، حديد. .....إلخ) لم يكن إلا نتيجة إتحادات فيزيائية بين جسيمات تحت الذرة المؤنثة وجسيمات تحت الذرة المذكرة ، وكذلك ظهور المركبات الكيميائية المادية والعضوية أيضا نتجت عن إتحادات كيميائية بين ذرات مؤنثة وذرات مذكرة. ومن نتائج الاتحادات الكيميائية بين المركبات الكيميائية المؤنثة والمركبات المذكرة ظهر المركب العضوي المعقد ال DNA الذي يعتبر الحجر اﻷساسي في تركيب خلايا الكائنات الحية. فبدون وجود أنثى وذكر لا يمكن أن يحدث أي تطور أو تغيير. ولكن للأسف وبسبب غياب اﻹدراك الروحي في المنهج العلمي لعصرنا الحديث ، جعل علماء العصر لا يرون هذه العلاقة (أنثى - ذكر ) إلا فقط في عالم الكائنات الحية ومع اﻷسف الشديد حتى في هذا العالم الحي فنظرة العلماء لهذه العلاقة هي نظرة مادية فقيرة لا فائدة لها نهائيا في فهم الطبيعة البشرية لرفع هذه العلاقة إلى مستواها السامي.

وبسبب هذه اﻷهمية والخطورة الكبيرة في موضوعنا هذا ، أطلب من كل قارئ وقارئة وخاصة أولئك الذين يقيمون في مناطق ذو مجتمع محافظ حيث يوجد إنفصال مطلق بين عالم المرأة وعالم الرجل وكذلك الظروف هناك تفرض على المرأة إرتداء العباءة التي لا تسمح لها بأن يظهر منها للآخرين حتى عينها أو أنفها أو كفيها ، أطلب منهم أن لا يؤمنوا مباشرة بآرائي التي أكتبها في مقالتي هذه، وفي نفس الوقت بأن لا يرفضوها مباشرة، ولكن أن يتمعنوا بها جيدا ويطلبوا من الله عز وجل أن يبين هو لهم فيما إذا كانت آرائي هي منه وأنها لا تعارض تعاليم الدين اﻹسلامي كما أراده الله للمسلمين، أم هي من وسوسة الشيطان وهدفها تشويه اﻹسلام والمجتمعات اﻹسلامية. فكما ذكرت في كثير من مؤلفاتي، هذه الحوادث التي أذكرها والتي ساعدتني في أبحاثي العلمية ﻷصل إلى هذه اﻵراء التي أذكرها في مؤلفاتي هي علامات إلهية رأتها عيني وأنا مجبر وواجب علي أن أذكرها ليقرأها اﻵخرين أيضا ، فكما تقول الآية /159/ من سورة البقرة (إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون) وأرجو الله أن يكون هو - لا أنا - من سينير عقولكم وأرواحكم لتستطيعوا التفريق بين الصح والخطأ والحقيقة والدجل.

إذا سأل القارئ نفسه ماذا يعلم عن قصة آدم وحواء وعن العلاقة بينهما، سيجد ان ما يعلمه منها أشياء بسيطة جدا، وإذا سأل نفسه ثانية عن فائدة هذه القصة في حياته اليومية ، سيجد أنه لا فائدة لها في حياته وسلوكه سوى من ناحية واحدة فقط وهي المعلومة ( اﻹنسان طرد من الجنة ﻷنه لم يطيع الله بما أوصاه )، فقط معلومة واحدة لا أكثر . والسؤال هنا هل من الممكن أن الله عز وجل قد ذكر هذه القصة التي تعتبر بداية كل شيء ، فقط لتعطينا هذه المعلومة البسيطة ؟ هل يمكن أن تكون قصص الكتب المقدسة بهذه السطحية من المعلومات ؟ الجواب طبعا لا ولكن بسبب إنفصال العلوم المادية عن العلوم الإنسانية وخاصة الدين، أدى إلى ضعف في اﻹدراك الروحي وعدم فهم المعاني الروحية في القصص الدينية. وهذا ما جعل من هذه القصص والكتب المقدسة بشكل عام عاجزة عن المساعدة في حل أي مشكلة من مشاكل العصر الحديث والتي تسير من السيء إلى اﻷسوأ، وللأسف حيث وصلت اﻷمور اﻵن عند بعض المفكرين أن يعتقدوا ويؤكدوا أن أصل جميع المشاكل والتخلف الذي يعيشه عصرنا هو الديانات.

في المقالات اﻷخيرة الماضية تحدثت عن فترة حياتي أثناء الخدمة العسكرية اﻹلزامية وهي تمثل الشق الثاني ( السلام ) من القانون اﻹلهي (العفة - السلام ) ، وذكرت فيها أحداثا حصلت معي تبدو وكأنها معجزات صغيرة، والتي ربما البعض لم يصدق حدوثها، مهما يكن، في هذه المقالة أتابع شرح وذكر أحداث الشق اﻷول من هذا القانون وهو (العفة ) والتي تعبر تماما عن العلاقة ( إمرأة - رجل ) في أسمى معانيها ، فبدون ( العفة ) بكامل معناها الحقيقي لما حصل إي حدث من تلك المعجزات الصغيرة التي ذكرتها في المقالات السابقة ، فسر تفسير سبب حدوث هذه المعجزات الصغيرة هو العفة ، وليس من الصدفة أن أكبر معجزة في تاريخ اﻹنسانية وهي معجزة إحياء الموتى حدثت على يد عيسى عليه الصلاة والسلام والذي ولد من أم عذراء أي بدون أي تدخل من الرجل في عملية اﻹنجاب أو بمعنى أوضح بدون إي إتحاد جسدي أو ممارسة جنسية بين الرجل والمرأة كما يحدث بشكله الطبيعي ﻹنجاب اﻷطفال . فقصة مريم العذراء ( العفيفة ) وإبنها عيسى ليست صدفة ولكن فيها حكمة إلهية تساعدنا على فهم حقيقة العلاقة بين آدم وحواء التي كانت نتيجته إنجاب قابيل أول قاتل في تاريخ اﻹنسانية. وهذا ما سنحاول توضيحه إن شاءالله في المقالات المقبلة. ولكن حتى نستطيع فهم الحكمة اﻹلهية في قصة مريم وإبنها، وكذلك حواء وإبنها قابيل لا بد من فهم العلاقة ( إمرأة - رجل ) وكذلك حقيقة معنى العفة .

في بداية حياتي الجامعية حيث كان يسود النظام المختلط ﻷول مرة في حياتي التعليمية حدثت حادثة لها علاقة بموضوعنا. فالمنطقة التي كنت أسكنها كان معظم سكانها من المسيحيين وكانت الفتيات فيها لديهن بعض الحرية في الجلوس في البلكون والتكلم مع إبن الجيران بدون أن يؤثر ذلك على سمعتها أو شرفها فبسبب العشرة الطويلة في نفس الحي خلق نوع من علاقة اﻷخوية بين الجار والجار ولم يكن أحد من شباب الحي يحاول إستغلال هذه العلاقة في سبيل إشباع نزواته ﻷنه كان يعتبر فتيات الحي مثل أخواته وعدا عن ذلك كن أيضا صديقات أخواته واﻹساءة لهن يعني اﻹساءة ﻷخواته أنفسهن، وعلى هذا النظام كان يعيش أفراد الحي بهدوء وسلام دون أن تظهر أي مشاكل شرف وعرض. ويبدو أن هذه الحرية في فتيات منطقتنا قد ضايقت بعض شباب المسلمين في إحدى المناطق المجاورة حيث التعصب الديني كان يفرض على نسائهم أن يبقين في منازلهم المغلقة و يمنع عنهم النظر من النوافذ أو اﻷبواب ﻷي سبب من اﻷسباب، وعندما يخرجن من بيوتهن يلبسن حجابا أسود يغطي كل شيء من أخمص قدمهن إلى قمة رأسهن، فلا يظهر منهن للآخرين شيئا على اﻹطلاق ، وفي إحدى اﻷيام قرر بعض من هؤلاء الشباب المتعصبين أن يزعجوا أو أن يسيئوا لفتيات منطقتنا لتلك الحرية التي يمتلكنها و ليمنعهن من تلك العادات،. فحمل كل واحد منهم أداة (عصا، سلسلة حديدية، سكين، مفك...الخ) وكأنه ذاهب إلى مشاجرة دموية، وإتجهوا إلى منطقتنا.

كان يوم اﻷحد، يوم العطلة اﻷسبوعية عند المسيحيين وكان سكان حيِنا كالعادة يشربون القهوة في الشرفات ويتحدثون ويشاهدون التلفزيون. وعندما دخلت شلة الشباب المسلمين المتعصبين حينا راحوا يزعجون الفتيات الجالسات في الشرفات والنوافذ وﻷن عدد هؤلاء المتعصبين كان كبيرا يقارب الثمانية أو تسعة أشخاص ولكي لا يتحول شارعنا إلى ساحة قتال دخلت الفتيات بيوتهن وأغلقت اﻷبواب والنوافذ تجنبا للمشاكل. في ذلك الوقت كان يوجد ثلاثة من شباب الحي في زاوية الشارع يتحدثون وعندما رأوا ما يفعله الشباب المتعصبين مع فتيات الحي حاولوا أن يدافعوا عنهن ولكن كثرة أفراد الطرف الثاني ونيتهم على تحويل حينا إلى ساحة قتال دموية ، ملأ الخوف صدورهم ولم يتكلموا شيئا معهم ،ولكن يبدوا أن الشباب المتعصبين كان هدفهم أن يفعلوا شرا بسكان هذا الحي ويبحثوا عن أي حجة لخلق معركة مع سكان الحي ، فراح واحد منهم يشاكس شباب الحي. في تلك اللحظة كان أخي اﻷكبر مني عائدا من الجامع بعد أداء صلاة المغرب فرأى ما يحاول أن يفعله الشباب المتعصبين فسألهم ما ذا يريدون فظنوه مسيحيا فدارت بينهم محادثة شادة ، ماذا حدث بالضبط لا أدري ﻷنني كنت في البيت ولم أعلم شيئا عما يحدث في الخارج ، فقط سمعت جارتنا تصرخ لي ، فخرجت إلى البلكون ﻷرى ما يحدث فرأيت أخي في منتصف الشارع وأمامه عدد من الشبان يحاولون ضربه. فنزلت مسرعا إلى الشارع ﻷساعد أخي. وسبحان الله وكأن المشيئة اﻹلهية بسبب إيماني القوي بعاطفة السلام منعت عني المشاركة بأي نوع من أنواع العنف. فعندما وصلت إلى الشارع رأيت أحد الشباب المتعصبين يسقط أرضا بعد ركلة قوية من قدم أخي ثم ينهض مذعورا ويفر هاربا بأقصى سرعته، أما بقية الشباب المتعصبين فكانوا جميعهم قد ولوا فرارا من جميع الجهات اﻷربعة وأخي بمفرده كان يقف في منتصف الشارع ويلوح لهم بالوعيد. ومن حوله كان أهل الحي جميعهم ينظرون من النوافذ والشرفات وهم لا يصدقون ما تراه أعينهم، أخي بمفرده لقن هؤلاء المتعصبين جميعا درسا ربما لن ينسوه أبدا، فلا أزال حتى الآن أذكر جيدا ملامح الرعب والخوف في وجه أحد هؤلاء وهو يفر هاربا .

هذه الحادثة كانت بمثابة معجزة صغيرة حدثت في حينا أدهشت جميع أهل الحي ، فمهما حاولنا تفسيرها بشكل مادي ، سيبقى سبب حدوثها نوع من التدخل اﻹلهي ، مثلا أن نعلل الحادثة بأن أخي كان قويا بما فيه الكفاية ليستطيع بمفرده مواجهة 8-9 أشخاص ، يبقى هنا السؤال لماذا الله أعطاه هذه القوة ليستخدمها لمرة واحدة في حياته وفي تلك الحادثة فقط.؟ فمن المعروف عند الجميع أن أخي هذا كان إنسانا هادئا وبعيدا نهائيا عن المشاكل والتشاجر مع اﻵخرين،ولماذا مثلا وجد في تلك اللحظة في الحي حين إستغل الشباب المسلمين كثرة عددهم لضرب الشباب المسيحيين الذين أرادوا الدفاع عن نساء الحي؟ مهما يكن، فقد كان تأثير هذه الحادثة كبير على سكان الحي فلم يحاول أحدهم أن يشتم دين أولئك الشباب ( اﻹسلام ) ﻷن الذي أنقذهم منهم كان مسلما أيضا وكأن المشيئة اﻹلهية أرادت أن تقول ﻷهل الحي المسيحين بأن الإسلام الحقيقي هو كما في عائلتنا وليس كما هو عند أولئك المتعصبين الذين لا يطبقون تعاليم نبيهم صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف ( الله يرسل كل مائة مرشد ليجدد الدين) ليلائم تطورات كل عصر ليستطيع حل جميع مشاكله ، ولكن هؤلاء لا يتقبلون أي نوع من أنواع التجديد ليبقى الدين غير ملائم للعصر وعاجز عن حل المشاكل. فأن تبقى المرأة في عصرنا الحاضر مسجونة في بيتها طوال حياتها كما يحدث في أفغانستان وبعض المناطق من الدول اﻹسلامية هو ليس إيمانا ولكن نوعا من التخلف والتخلف بحد ذاته هو أيضا نوع من الكفر ﻷنه يعارض تعاليم نبي اﻹسلام. فالمرأة هي نصف المجتمع ، وهي القسم العاطفي منه ومنعها من متابعة تعليمها يعني هذا سيطرة الرؤية المادية على القاعدة الفكرية للمجتمع بأكمله. وعدا عن هذا هناك مهن إختصاصها مناسب للمرأة أكثر من الرجل، مثال بسيط على ذلك الطب النسائي والولادة ، فهناك كثير من النساء لا يشعرن براحة نفسية مع طبيب رجل لذلك يكتمن مرضهن ولا يذهبن إلى المستشفى للعلاج أو الولادة، لذلك كان لابد من وجود طبيبة فيتشرف على معالجة النساء ليسمح لجميع النساء بالذهاب إلى المستشفيات واﻹستفادة من تطور علم الطب في معالجة الأمراض النسائية.

إن بقاء المرأة مسجونة في بيتها لا يعني بالضرورة أنها تحافظ على عفتها ، فالمرأة الطاهرة في عصرنا الحاضر هي تلك التي تقوم بواجباتها نحو المجتمع بدون أن يستطيع أي رجل أن يغويها أو يستغل وجودها في جامعتها أو عملها لتحقيق نزواته وشهواته ،فالحكمة اﻹلهية من طرد حواء من الجنة لم يكن فقط من أجل معاقبتها ولكن لتقوم بتصحيح خطأها لتكون صالحة للعيش ثانية في الجنة. فالسجن مثلا الذي هدفه فقط العقاب سيؤدي إلى زيادة عدد المجرمين والخارجين عن القانون. ﻷن السجن هو أولا مكان تأديب وتأهيل ليستطيع اﻹنسان أن يكفر عن ذنبه ويصبح صالحا في العيش كفرد مفيد في المجتمع. هذه هي فلسفة طرد اﻹنسان من الجنة ، والمرآة في عصرنا الحاضر تعيش هذه المرحلة الجديدة من حياتها التاريخية ،مرحلة تسمح لها بإثبات وجودها في المجتمع لتأخذ دورها في التطوير الروحي للإنسانية ، ﻷن اﻹنسانية اليوم بحاجة إلى نوع جديد من اﻹدراك وهو اﻹدراك الروحي الذي يستطيع الغور في أعماق اﻷشياء واﻷحداث ليصل إلى المضمون، ومنه إلى فهم السبب الحقيقي لوجود هذا الشيء أو هذا الحدث. وهذا النوع من اﻹدراك هو في النساء أقوى من الرجال.

المرأة اليوم - لحسن الحظ أو لسوء الحظ بنفس الوقت - تعيش في عصر غريب فحالة المرأة اليوم مشابهة لحالة برعم الزهرة الذي يعيش في حالة تناقض بين الزمن والظروف الطبيعية المحيطة به فرغم دخول البرعم في فصل الربيع الذي يجب أن يتفتح فيه ليتحول إلى زهرة لها بتلات بألوان جميلة ورائحة عطرة ولكن الظروف الطبيعية من حوله لا تزال شتوية ،برد قارس ورياح شديدة بحيث لا يسمح للأنف اﻹحساس بالرائحة العطرة ، أمطار غزيرة يجعل بتلات الزهرة تخسر قوامها وألوانها الجميلة. في مثل هذه الظروف يجد البرعم الزهري نفسه بأن الزمن يجبره بأن يتفتح بينما الظروف الخارجية تطلب منه أن يبقى مغلقا على نفسه إلى الأبد. البرعم ليس له عقل لذلك سيبقى برعما ولن يتفتح ليظهر جمال ألوانه ورائحته إلا عندما يأتي الربيع بكامل صفاته.ولكن في حالة المرأة والتي لها عقل فللأسف فقد إستطاعت روح السوء في الرجال الذين كونوا هذا العصر المادي المتناقض ، أن يستطيعوا خداع المرأة لتظن أن الظروف البيئية من حولها هي ربيع ،فإنطلقت المرأة تعبر عن نفسها بكامل حريتها في هذه البيئة الشتوية القاسية فخسرت أنوثتها وتحولت في نظر الرجل إلى جسد فقط ، دورها الحقيقي بالنسبة للرجل هو إشباع شهواته الحيوانية لا أكثر ولا أقل. وأكثر من ساعد في هذا الخداع هو فن العصر الحديث إلذي إعتمد في جميع أنواعه وخاصة اﻷفلام السينمائية على أقوى غريزتين من الغرائز الحيوانية وهما الجنس والعنف، فنجد ظهور نوعين متناقضين تماما من التطور اﻹجتماعي ، فنجد مجتمع يسير نحو اﻹنغلاق المطلق كما يحدث في معظم مناطق أفغانستان مثلا حيث بعض الرجال المسلمين المتعصبين بدينهم تعصبا أعمى يرفضون جميع أنواع التطور ااﻹجتماعي حيث وصلوا إلى مرحلة أن يعاقبوا الفتيات اللواتي يذهبن إلى المدارس لمتابعة تعليمهن برمي ماء النار على وجوه هذه الفتيات لتتشوه وجوههن و ليبثوا الخوف في نفوس جميع الفتيات ليتوقفن عن متابعة تعليمهن. بينما من الطرف الآخر نرى تطور المجتمعات الغربية الذي يسير بإتجاه معاكس تماما وفي أبشع مظاهره، حيث الفساد الروحي ونظام اﻹختلاط الذي يطبق في جميع المراحل الدراسية قد نمى تعاطي المخدرات وكذلك أدى إلى اﻹباحة الجنسية في أبشع مظهارها فنسمع عن حدوث عمليات إغتصاب فتيات قاصرات من زملائهن الطلاب في حمامات مدارسهن أثناء ساعات اﻹستراحة .

وللأسف وبسبب هذا الفهم الببغائي للنفسية البشرية الذي بدأه العصر الحديث والذي كانت نتيجته ثقافة مادية فقيرة روحيا أدى إلى سوء فهم المعنى الحقيقي لكلمة ( المساواة بين الرجل والمرأة) والتي كان يجب أن يكون لها معنى أن تستطيع المرأة أن تقوم بكامل دورها في المجتمع كإمرأة لتساهم في بناء مجتمع يسوده المحبة والسلام . ولكنها بدل من ذلك تحول معنى المساواة إلى مساواة ببغائية فأخذت المرأة حريتها لتتحول إلى كائن مشابه تماما للرجل فأصبحت تفكر كرجل وتعمل كرجل وتعيش كرجل، في الماضي مثلا، كانت المرأة في الحروب تشارك فقط في معالجة الجرحى والمصابين أما اليوم و بدلا من أن تساهم في تقوية عاطفة السلام والتعاون بين الشعوب لتمنع نشوب الحروب، نجدها تدخل الجيش وتتعلم على إستخدام اﻷسلحة الثقيلة ، وترمي القذائف والصواريخ والمتفجرات لتدمر المساكن وتقتل وتحرق، وبدلا أيضا من أن تساهم في تحسين أوضاع اﻷعمال القاسية والمجهدة ليعود الرجل إلى بيته بنفسية طيبة تجعله يعامل أبنائه وزوجته بعطف وحنان، نراها أصبحت تنمي عضلات جسدها لتعمل في مهن كانت محصورة على الرجال فقط بسبب قساوتها وخشونتها كأعمال البناء مثلا، وراحت تفتخر بقوتها الجسدية وعضلاتها الرجولية! وفي العاب اﻷولمبية حيث كان أكثر أنواعها ممنوعة على النساء ﻷن ممارستها تحتاج إلى تنمية القوة الجسدية وهي صفة للرجال فقط. نراها اليوم تشارك في مباريات حمل اﻷثقال والمصارعة والملاكمة، للأسف الفهم الببغائي لكل شيء من حولنا في عصرنا الحاضر أدى إلى تحويل المرأة إلى رجل وهذه هي أكبر مشكلة تعاني منها اﻹنسانية اليوم فاﻹنسانية وﻷول مرة في تاريخ البشرية تعيش في عصر خالي من روح المرأة، فرغم أن المرأة في معظم الدول تدخل المدارس والجامعات ولكن وجودها كدور في المجتمع هو وجود مادي فقط أما روحيا فوجود المرأة معدوم في جميع نواحي الحياة. لذلك ليس من الصدفة أن يكتب التاريخ في صفحاته اليوم "لم تعرف اﻹنسانية وحشية مثل وحشية اﻹنسان المعاصر " ﻷن المرأة والتي تمثل القسم العاطفي الحنون في المجتمع قد تحولت إلى رجل.

الفيلسوف والقاضي محمد إبن رشد المؤسس الأول - حسب رأيي - لعصر النهضة اﻷوروبية ، شعر بالتطور الروحي الذي وجب أن تصل إليه اﻹنسانية فراح ودافع عن حقوق المرأة لتأخذ في المستقبل دورها الحقيقي في المجتمع. وكذلك فعل أيضا ليوناردو دافنشي الذي يعتبر هو اﻵخر من أكبر مؤسسي عصر النهضة، لذلك نرى سيطرة اﻹحساس اﻹنثوي بكامل روعته على جميع أعماله الفنية .وللأسف الفهم الببغائي ﻷعماله وشدة محاولة البعض لتشويه أهدافه من أجل نزواتهم الشخصية في شذوذهم الجنسي دفعهم إلى تعليل سبب شدة هذا اﻹحساس الأنثوي وجمال أعمال دافنشي هو شذوذه الجنسي،للأسف في مثل هذه الظروف اﻹجتماعية المتناقضة التي يعيشها عصرنا، وخاصة بعد ظهور اﻹنترنت وسهولة دخوله والبحث فيه حيث كل شيء حول الرجل منذ صغره ( أفلام ،مسلسلات،أغاني ، روايات، مجلات. .....) تحاول ان تقتل فيه جميع العواطف وتقوي بدلا منها غرائزه الحيوانية نحو المرأة ، في هذه الظروف يحتار اﻹنسان بماذا ينصح أخته الصغيرة أو إبنته أو حفيدته هل عليها أن تثق بالرجال لتتكلم معهم بحرية في الجامعات وأماكن العمل، أم أن تبتعد عنهم ﻷن معظمهم لا يفكرون سوى في إشباع نزواتهم وشهواتهم. والمشكلة اﻷسوأ أن كثير من أولئك الرجال الذين يبدو عليهم وكأنهم عاطفيون ويحترمون المرأة ويدافعون عن حقوقها في الحقيقة يفعلون ذلك ليكسبوا ثقة المرأة بهم ليسهل عليهم تحقيق أغراضهم منها ،

في هذه الظروف المتناقضة التي دفعت العلاقة (إمرأة – رجل) في المجتمعات الغربية لتصل إلى أسفل السافلين ، رأيت نفسي ومن بداية حياتي في المرحلة الجامعية أنه بعد إنتهائي من الخدمة العسكرية يجب علي الذهاب والعيش في هذه المجتمعات لأكتسب معلومات الشق المادي لموضوع أبحاثي (العفة - السلام) فهذه المعلومات أو باﻷحرى منطق فهم هذه المعلومات موجود فقط في المجتمعات الغربية ، ومهما حاول مفكري المجتمعات الشرقية في البحث في هذا الموضوع فإنه سيبقى موضوعا ناقص ولن يفيد بشيء ،كما حصل تماما في تجربة غاندي في المقاومة السلمية والتي ظهرت كفكرة ولكنها بقيت كفكرة ولم تأتي بأي نتيجة على المستوى العالمي. هكذا هي الحكمة اﻹلهية في خلق اﻹنسانية حيث الله عز وجل وزع حكمته على جميع شعوب العالم لذلك للوصول إلى الحقيقة المطلقة يجب التعاون بين معارف الشعوب كما يقول الحديث الشريف (إطلبوا العلم حتى ولو كان في الصين). شعوري بضرورة ذهابي إلى دولة أوروبية ﻷتابع هناك أبحاثي كان ينمو ويزداد مع مرور الزمن وكان قلقي يزداد أيضا كلما رأيت أن المرأة تلعب دور كبير في موضوع أبحاثي وأن فهم طبيعة ونوعية إدراكها كإمرأة سيساعدني كثير في الوصول إلى تحليل شامل لموضوع بحثي (العفة - السلام) ولكن المشكلة التي كانت تجعلني أشك في مقدرتي على تحقيق ذلك هو شكلي فهو من طرف يسهل علي كثيرا في التقرب من النساء، فملامح وجهي كانت تولد في الكثير من النساء نوع من اﻹعجاب بحيث يجعلها تشعر من النظرات اﻷولى لي بمشاعر مختلفة (براءة، طيبة قلب،ثقة ،حنان، إطمئنان) ،هذه المشاعر كانت تجعل نساء المجتمعات الشرقية، في تلك الفترة (الثمانينات) ،أن ينظرن إلي بنظرات وإبتسامات خاطفة ، وتترك موضوع التعارف بيننا في يدي دون أن تحاول هي بشكل مباشر التعرف علي ﻷن ظروف مجتمعها كان يفرض عليها مثل هذا السلوك، وطالما ان بادرة التعارف في يدي كنت أمنع نفسي من التقرب من الفتيات الغريبات عني ، فشكلي في المجتمعات الشرقية كان بمثابة نعمة ، ولكن في المجتمعات الغربية سيكون لعنة ﻷن سلوك المرأة هناك يختلف نهائيا، فالمرأة الغربية إذا أعجبها رجل ما تذهب إليه وتتعرف عليه بشتى الوسائل . وحدوث إي نوع من التعارف بين رجل وإمرأة هناك عادة يدفع هذه العلاقة إلى الفراش. وهذا ما كان يجعلني في كثير من اﻷحيان أن أحاول أحذف من عقلي فكرة السفر إلى خارج القطر، ولكن القدر كان يحتم علي متابعة أبحاثي ، فرأيت المشيئة اﻹلهية تحاول أن تخلق نوع من التوازن الروحي من خلال الظروف واﻷحداث من حولي لتسير حياتي قبل سفري إلى الخارج بطريقة تجعلني أنتقل بشكل سليم من مستوى إلى مستوى أعلى في طبيعة إختلاطي مع عالم المرأة بالتدريج وبطريقة تهيئني أن أعيش في المجتمعات الغربية بشكل ملائم لمتابعة أبحاثي والوصول إلى فهم أعماق العلاقة (العفة – السلام) ...... كيف حدث هذا اﻹنتقال من مستوى إلى مستوى ﻷصل إلى مستوى روحي يسمح لي العيش في المجتمع الغربي دون أن تؤثر ظروفه على مسيرة حياتي سنتكلم عنه إنشاء الله في المقالة القادمة.

.......يتبع