أنا
مصطفى حمزة
( أنا ) هذا الضميرُ المُنفَصِلُ هو في الحقيقة ليس بمنفصلٍ أبداً ، إنّه أشدّ الأشياءِ التِصاقاً بنا وانصِهاراً في نٌفوسِنا حتى إنّهُ لَيكادُ يكونُ هو النفسَ ذاتَها !
كلّ حياةِ المرءِ سَعْيٌ في سبيلِ الأنا هذه ، حتّى عملُهُ لِما بعدَ الحياةِ غايتُهُ إنقاذُ وإسعادُ هذه الأنا ..
ما حقيقةُ شُعورِ أحدِنا بالألم أو بالفرح أو الظلم ، أو غيرها ؟ الحقيقةُ أنّنا في لحظةِ الإحساسِ بها نتخيّلُ أنفسَنا أنّنا ذلك المُتألّم أو الفرحان أو المظلوم .
ولمَ يُعجَبُ أحدُنا – حينَ يُعْجَبُ – بِفُلانٍ العلَمِ المشهور ؟ إنّه يُعْجَبُ به في الحقيقة لأنّهُ يُجسّدُ لهُ مَثَلاً أعْلى يتمنّى هو أنْ يكونَهُ .. وهكذا .
إذن الـ ( أنا ) حاضِرةٌ في كلّ لحظةٍ من حياتِنا :المادّيّةِ والوجدانيّة ، متّصلةٌ بنا اتّصالاً غريباً !
إلاّ ( أنا ) الأمّ ، فإنّها مُنفصلةٌ عنها ، لا تُحسّ بها ، لا تُريدها !
( أنا ) الأمّ مُتّصلةٌ ، لكنْ بأبنائها ، توزّعتْ بينهم ، ثمّ التصقتْ بهم التصاقَ الخليّة بالخليّة والروح بالجسد .. وهُنا يكمنُ سِرّ الأمومةِ !
وهنا فقط يصحّ أنْ نقولَ : ( أنا ) ضميرٌ منفصلٌ ..