عدوّ عدوّك... عدوّك...

د.عبد الغني حمدو /باحث وأكاديمي سوري

[email protected]

[email protected]

هو مثل شعبي قد قلبته , فكان المثل (عدو عدوك ...صديقك ) , وعندما نسقط هذا المثل على واقع الثورة السورية , لوجدنا كما في العنوان أعلاه (عدو عدوك ...عدوك ) .

فما رأيك ياأبو عبدو الحلبي ؟

أبو عبدو يضحك , ويستمر في الضحك ثم يهدأ قليلا , محاولاً الاجابة ولكن بصعوبة , من غرابته في ذكر المثل بشكله المقلوب الحالي , فقال: أتريد أن تقلب مثلاً راسخاً في المفهوم العام والخاص ؟ وتعكسه لتثبت خطأ الآخرين وأنت على صواب ؟

ولكني اتجهت بسؤالي لصديق آخر يجلس بجانب أبو عبدو اسمه  , محمد الكوردي , طارحاً عليه نفس السؤال , وكان جوابه كسابقه , في غرابة السؤال الملقى عليه وعلى صديقه

ومن ثم صمتا , وحاولا بعدها التطرق لحديث آخر

ولكنني قاطعتهما , وقلت لنعد لموضوعنا مرة أخرى , وأرجو ان تنتبها لكلامي جيداً

في قرية صغيرة , ارتسمت معالمها على ربوة , تحيط فيها بساتين خضراء , وتنبع المياه من تحتها , صافية عذبة , نشأ أهلها على الخير والحب والمودة , خيرها كثير , وناسها ذوي أصول طيبة , مع أنها متعددة الأعراق والمذاهب والعقائد , الكل في حياة رغيدة هانئة , وأمام هذه الوداعة والطيبة في أصحاب القرية , استطاعت فئة منها أن تتمرد على الواقع الطيب , واغتصبت حقوق الآخرين بالقوة والخديعة والوهم , فقتلت الكثير وشردت الكثير , واستولت على البشر والمال والطين , ولم تترك للبقية إلا الفتاة , وعاملتهم معاملة العبيد , ومرت عقود وعقود , وكلما نبت فرع أخضر يريد الخروج من أعماق الخير في القرية , كان نصيبه الحرق والابادة , واستمر الحال هكذا ......واعتادت الناس في القرية على حياة العبودية تلك , وفي يوم ليس بالبعيد , اجتمع بعض الفتوة والفتيات , وتمردوا على واقع الحال , وجوبهوا بقوة كبيرة أعدت لهذه اللحظة , ولكن الثائرين أصروا على هدفهم , والمجرمون ضاعفوا عمليات إجرامهم والمعركة حامية بين الطرفين .

فالمنطق البشري يقول :

على كل المتضررين من القرية والمظلومين فيها , والذي نالهم الظلم بشتى أشكاله وصوره من هذه الفئة والتي أذلتهم لعقود مضت , أن يكونوا عوناً لهؤلاء الفتية ومناصرين لهم بكل قوة , فهم قاموا ليسقطوا أعداء القرية المجرمين

ووجهت سؤالي لهما وقلت :

ألستما ياأبو عبدو الحلبي , ومحمد الكوردي من تلك القرية ؟ ولم تحركا ساكناً لدعم من خرج ضد عدوكما؟

بل وقفتما مناصرين لمن ظلمكما وأذلكما , مع أنه قد يوجد بين أولئك الفتية من هو من أصلكما وفصلكما

فهل تقول لي ياأبو عبدو , أين جثة والدك رحمه الله , وأين دفن وكيف مات ؟ وأين شقيقك والذي له عقود في غياهب الزمان , وكم سنة أمضيت في سجون سحيقة وتعرضت فيها لأبشع أنواع العذاب ؟

وأنت يامحمد الكوردي , كم هو عدد الأشخاص الذين مضى عليهم عقود من عائلتك خارج البلاد مشردين , وكم من إخوانك مات وقتل غدراً على يد هذه الطغمة الفاسدة ؟

الجميع من أهل القرية كان يدعو في قلبه سراً الخلاص منهم , والجميع كان يتمنى لو أن زلزالاً يغور فيهم في أعماق الأرض

وعندما تفجر بركان الغضب , ونزع الخوف , وجاء وقت التحدي وقفتما ضد عدو عدوكما

لتقولا (عدو عدوي ....عدوي )

يحكى عن رجلين كانا في سفر ودخلا قرية , واستقبلهما صاحب أول بيت في القرية استقبال الكرماء , ولكن الزوجة طردت الضيوف من البيت , وأبى أصحاب القرية كلها أن يضيفوهما , إلا بيت في آخر القرية , دخلاه ضيفان عزيزان من قبل زوجة صاحب البيت ,ولكن الزوج طردهما , وتساءل الصديقان عن الغرابة في استقبال صاحب البيت في المرة الأولى وطرد الزوجة لهما , وعكسها في البيت الأخير , ولم تكن الفاجأة بعدها كبيرة بعدما عرف أن اللذان استقبلاهما بكرم هما شقيقان .

فما الفرق بينكما ياإخواني الأعزاء , وبين رجل من عامودا , ورجل من عنادان , ومن جبل الزاوية وحمص وحماة واللاذقية والقابون والزبداني وحوران ودير الزور وبانياس؟

أليس الكل أخوة وأشقاء ؟

فمتى يكون القول عند الجميع .............

ولكن قاطعناني وهتفا بصوت واحد :

الله سوريا حرية وبس , وعيون الأمن تنظر إليهم باستغراب لينضم الكثيرون منهم في ترديد نفس الشعار

وقتها قلت في نفسي ومبتسما :

(صديقك من صدقك وعدوك من خانك , ونسيت المثل أعلاه )