المعارضة وسيف ديموقليس

محمد الفاضل

يقال أن الملك ديونيسيوس الذي عاش في القرن الرابع قبل الميلاد , في صقلية أراد أن يلقن ديموقليس , والذي كان خطيباً مفوهاً وعضو في بلاطه , درساً لأنه أراد أن يصبح ملكاً ولو ليوم واحد . وافق الملك ولكنه اشترط شرطاً واحداً وهو أن يضع فوق رأس ديموقليس سيفاً معلقاً بشعرة حصان واحدة . وهكذا عاش ديموقليس يومه الملكي وهو في رعب شديد مخافة أن تنقطع الشعرة ويسقط عليه السيف فيصبح في خبر كان .

وحال المعارضة في جمهوريات اضطهادستان يشبه إلى حد كبير تلك الأسطورة الإغريقية , حيث أضحت تهمة الخيانة العظمى والتاَمر على ثورة الزعيم , سيفاً مسلطاً على رقبة المعارضة . وكل معارض هو مندس ومتاَمر , ولديه أجندة خارجية ويشارك في مؤامرة كونية !!!!!!! يكاد لايمر يوم إلا ونحن نسمع تلك الاتهامات في أوساط النظم العربية الدكتاتورية , من أبواق النظام والدائرة المحيطة به , تسوق لهذه الفرية , أن كل معارض هو عميل ويسعى لزعزعة أمن واستقرار الوطن !!! بل ذهب بعضهم أبعد من ذلك وأتحفونا بمفردة إضعاف الشعور القومي . لا لشيء إلا لمجرد أن ذلك المعارض عبر عن وجهة نظره. تلك هي إحدى إنجازات وإفرازات الأنظمة الشمولية , التي اخترعت وسوقت تلك العبارات الرنانة لتمارس من خلالها عملية تشويه وسيطرة على المخيلة الجماعية للجماهير , من خلال دغدغة المشاعر واستثارة العواطف عبر شعارات كاذبة. وربما يحتج البعض أن هناك شريحة واسعة من المعارضة موجودة في الداخل , وهي تمارس دورها في الحياة السياسية , وتسهم في صنع القرار !!!

 وأنا بدوري أتساءل , هل هذه معارضة حقة ؟ وهل تمتلك حيزاَ كافياً ومساحة من الحرية تؤهلها لعب دور فاعل وحقيقي ؟ وهل تجرؤ على الاعتراض , أم هي مجرد ديكور لتجميل واجهة تلك الأنظمة القمعية ؟ ولا تعدو كونها صدى لصوت الزعيم وسياسته الرشيدة مع عصابته الفريدة !! ولكي لا أتهم بالتعميم لابد أن نشيد ببعض رموز المعارضة التي لم تسلم من قمع النظام وبطشه . ومنهم من كان له تجربة مريرة في ظل قانون الأحكام العرفية والطوارئ , حيث أودع بعضهم غياهب السجون والمعتقلات سيئة الصيت .ولابد من التذكير أن المعارضة هي ظاهرة صحية في كل الدول المتقدمة , وهي تسهم في تنوع المناخ السياسي من خلال التداول السلمي للسلطة , وإعطاء فرصة لأحزاب المعارضة وذلك عبر صناديق الاقتراع.

 بيد أن حكام جمهوريات ظلمستان لهم رأي مغاير وفلسفة عجيبة , حيث توقفت عقارب الزمن عند حدود ظاهرة الزعيم الأوحد , والنسب الفلكية لنتائج انتخابات الزعيم , الذي لم يعد يقنع ب 99 بل أضاف لها 9 كي يشبع غروره. وبالتالي يجد النظام والمستفيدين منه صعوبة في فهم وادراك مايحدث حولهم من متغيرات خوفاً على الكرسي , وطمعاً في نقل السلطة إلى أبنائهم. ولكي تكتمل الصورة لابد من المسيرات المؤيدة , العفوية طبعاً حباً بالزعيم الخارق . اَما اَن لهذه العقلية الحجرية أن تتغير ؟ ومتى يرفع سيف 

ديموقليس ؟