كل عام والثوار بخير

معتز فيصل

غداً عيد الأضحى المبارك، فيه يفرح الناس ويبتهجون، يتمنون لبعضهم أياماً سعيدة، يتبادلون التهاني والزيارات، مهما كانت أحوالهم الاجتماعية والمادية، يحاولون أن يعيشوا أياماً سعيدة، ولو لمرة واحدة في السنة. أما في سوريا الحبيبة، فماذا يفعل أهلنا؟ كيف يعيّدون وقد أبدلهم المجرم بمدافع العيد التي تبعث الفرحة والبهجة، مدافع حقيقية تبعث الموت والدمار، وأبدلهم بأضاحيهم شباباً في عمر الورود وبنات كالزهرات المتفتحة وأطفالاً لم يذوقوا بعد طعم الحياة، أذاقهم قبلها طعم الموت. بماذا يفرح السوريون وبماذا يبتهجون، أبجنازات فلذات أكبادهم التي لا تصل إلى المقابر؟ أم بالنواح على بناتهم المختطفات الأسيرات؟ أم ببيوتهم المدمرة وقراهم المحاصرة ومحلاتهم المسروقة المنهوبة؟

رغم كل هذا لن يكون هذا اليوم يوماً للذكريات الأليمة، ولا للنواح والنحيب والحزن والبكاء، بل هو إن شاء الله يوم الفتح والنصر، هو يوم الرسالة إلى كل سوري لم يتحرك حتى الآن: متى ستتحرك؟ هل استمرأت حياة الذل؟ أم أنك مازلت تصدق كذب العصابة الغادرة؟ ألا تكفيك كل هذه الدماء التي تسيل على أرض الوطن؟ هو يوم النداء إلى العالم: لقد فهمنا الرسالة، وردّناعليها: "الله معنا والله أكبر"، أكبر منكم ومن مجلس أمنكم الذي لا يتحرك إلا بأمر إسرائيل، وأكبر منكم ومن جامعة الولايات الإسرائيلية، وأكبر منكم ومن مؤتمرات القمامة العربية، وأكبر من كل من يراهن على موت الشعب ليَحيى القاتل، وأكبر من كل من يبيع شرفه وعرضه وأخلاقه (إن كان له شرف وأخلاق) في سوق النخاسة الدولية من أجل حفنة من الأسلحة يبيعها للقتلة، أو من أجل مخطط جديد قادم من الشرق سيكون أخطر على الأمة من المخطط الصهيوني بمئات المرات.

سيكون هذا اليوم هو يوم الحج الأكبر، يخرج فيه أهل سوريا كلهم إلى المصليات مسلمين ومسيحيين، دروزاً وعلويين، كرداً وعرباً، كباراً وصغاراً، نساءً ورجالاً، مكبرين بنداء الحرية، مهللين بنداء الله معنا، يغنون للحرية وإسقاط النظام، ويصلّون لربهم يسألونه النصر والتمكين، ثم يعودا إلى بيوتهم ليذبحوا أنانيتهم ومصالحهم أضحيات على مذبح الاستقلال والوحدة الوطنية.

كتبَت الفاضلة الأخت نوال السباعي في العيد الماضي مقالاً رائعاً مفاده أننا سنحتفل رغم الجراح، ذكرت فيه كل إيجابيات الثورة ومنجزاتها، وأنا معها في كل ما قالت، ولكنني أستحي من أهلنا في الداخل أن أقول لهم هذا الكلام وأنا هنا بعيد أعيش في أمان مع أسرتي، وإن كانت بقيتها هناك، وأتمنى أن يفهموها ويفهموني ويفهموا كل سوري حر يعيش بجسده خارج سوريا ولكن قلبه يخفق في داخل سوريا  وينبض في شوراع حمص وحماة ودرعا وكل شارع شريف طهرته وقدسته قدم متظاهر أو متظاهرة في أرض سوريا كلها. نحن نتكلم من جراحنا ونكتب بدمائنا ورغم هذا يقتلنا الحياء والخجل، قد تكون معاناتنا مضاعفة: معاناة الألم والمشاعر والنزف الدائم ومعاناة الإحساس بالذنب لأننا لا نخرج معكم ولا نقف معكم ولا نصرخ معكم ولا نغني معكم ولا نُجرح معكم ولا نُستشهد معكم.

رغم كل هذا أتوجه بالتهنئة في هذا العيد للثوار فهم وحدهم الذين يستحقون التهنئة، وأتوجه بها للشهداء الذين فازوا بجنتيّ الدنيا والآخرة، وأتوجه بها لأهالي الثوار والشهداء والمعتقلين والناشطين والفاعلين وكل من يقف في وجه هذه العصابة، وكل من أدرك أن الموت أحلى آلاف المرات من المذلة، وأدرك أن للحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة يُدق، وأدرك أن مصيره ومصير أبنائه وأحفاده وأسرته من بعده مرهون بوقوفنا صفاً واحداً في سبيل إسقاط الساقط وتغيير مسار هذا الوطن السليب ليعيش أبناؤنا وأحفادنا من بعدنا حياة أجمل وأسعد وأكرم وأعز.

التهنئة بهذا العيد يستحقها ثوار تونس ومصر وليبيا واليمن، يستحقها الثوار الذين يعدون أنفسهم للمعركة القادمة مع أنظمتهم الفاسدة المجرمة في بقية بلدان العرب وبلدان العالم، يستحقها كل شريف وقف مع هذه الثورات التي تكتب تاريخ أمتنا لعدة أجيال قادمة، يستحقها من لا ينامون الليل منذ بدء الثورة وهم وراء حواسيبهم يقدمون كل ما يستطيعون لنصرة إخوتهم وهم خجلى وأعينهم تفيض من الدمع حزناً أنهم لا يجدون ما ينفقون أكثر من هذا، يستحقها الجنود الحقيقيون الذين رفضت أصابعهم الضغط على الزناد في وجوه إخوتهم وأبنائهم، يستحقها من ترك عمله وأهله منذ بداية الثورة وراح يجمع الناس ويحفزهم ويحثهم على اللحاق بركب الثورة المبارك، يستحقها كل من أطلق كلمة حق في وجه هذا السلطان الجائر وهو يعلم أن حتفه في كلمته. يستحقها كثيرون لا نعلمهم الله يعلمهم، وسيجزيهم بنياتهم وأقوالهم وأفعالهم خير الجزاء.

في الختام، وبما أنني لا أرسل رسائلي إلا إلى الأحرار أقول لكم جميعاً مهنئاً: كل عام وأنتم وأهلكم وأهل سوريا وسوريا بخير، وسيكون هذا آخر عيد تحت ظل العبودية، والعيد القادم تحت ظلال الحرية إن شاء الله.