الراعي
محمد عميرة – القدس
ضحك أسرى الشّمس حين حد ّثهم أبي قبل أن يروا تلك الشمس ؛ حين أرسلت له رسالة - وانا ابن حوالي أحد عشر عاما - كتبت له فيها نكتة مع إخوتي الملتفـّـين حول تلك الرسالة في إحدى زوايا المنزل حيث مكان اختفاء عاطفة الأبوّة ... وما زال يذكـّـرنا بتلك النكتة حتى الأمس القريب .
وفي رسالة أخرى تذمـّـرت من ذهابي لرعي عنزة كانت عندنا مع راع ٍ كان يمر ّ من حارتنا بقطيعه ، وكنـّا ندعوه محمّد الرّاعي ... فكان معنى جواب أبي لي على تلك الرسالة أنّ من رعى الغنم قد رعى الأمم ...
لا أذكر كم مرّة ذهبت أرعى مع ذاك الراعي ، غير أنني حينما تذكرت تلك الأيام بدتْ لي من أجمل الأيام في شريط ذكريات حياتي ؛ حيث كنت أجد امتعاضا في الصباح، وأنا أحمل طعاما معي ... لكن بمجرد الانطلاق والاندماج في ذاك القطيع أشعر بصفاء الطبيعة والحياة والشمس والنفس ...
بعد حوالي نصف ساعة من المسير كنا نحطّ الرّحال ، وأختار بعناية صخرة أجلس عليها أرقب القطيع والأشجار الخضراء ، وكانت الأرض بساطا أخضرا منثورة الزهور الملونة عليه ... ملتحفين ببساط علوي أزرق سماوي ... سراج الشمس الأبيض يغازله ...
في منتصف اليوم كنـّا نتناول طعامنا ، وبعدها سرعان ما أرى اصفرار الشمس الذّهبيّ يميل باستحياء نحو الغرب وهذه علامة يعرفها القطيع ؛ فيستعد قبلنا للعودة ممّا يسهـّل علينا تجميعه ...
من نفس الدّرب نعود وقد امتلأت بطون الأغنام من أعشاب الأرض المختلفة لنأخذ حصـّتنا حليبا طازجا نرتوي منه مساءً ...
وخيوطـٌ أخرى من ذكريات تلك الفترة وبعدها ما زلت أذكرها ... وهو التفافنا حول التـّلفاز الأحمر الصغير ،كنـّا نتابع عليه نشرة أخبار الثامنة وبعدها مسلسل يوميّ نتابعه بشغف شديد وترقــّـُبْ ... أتذكر مثلا ... دليلة والزّيبق ... شجرة اللبلاب ... أم العروسة ... سليمان الحلبي ...
وددت عودة تلك الأيام مع انـّني تذمـّـرتُ منها ، ومع أنها مغلـّفة بالألم ... وأتساءل إذا كانت لأيام الألم متعة حين ذكراها ... فكيف تكون ذكريات أيام الفرح إن وجدت ... وكيف هو الفرح ...