قضية القذف واللعن والجرأة على الله
خاطرة شرعية هامة
أن تحبط أعمالكم وأنتم لاتشعرون..
مؤمن محمد نديم كويفاتيه
سبق أن نبهت العديد من الأصدقاء والأحباب ممن تجري على ألسنتهم قضايا القذف واللعن ، فيتوقفون ويعود البعض ، ومن أجل ذلك كانت تلك الخاطرة
كثيراً مانسمع بعض هذه الكلمات " ابن الحرام أو لعنه الله " ومتشابهاتها من ملتزمين وغير ملتزمين بدافع الحماس والانفعال الغير مشروع والمرفوض قطعاً ،وفي الغالب لضعف المعرفة الشرعية فيقع الشخص في المحظور المُحاسب عليها شرعاً ودينا وأخلاقاً وبأغلظ العقوبات ، مع أننا نرى العوام ينأون عن أنفسهم بالحديث عن الأعراض ومثل هكذا أمور مع قلّة ثقافتهم ، لأن هذا مبعثه بحكم تربيتهم الاجتماعية والإسلامية الغير مباشرة التي تُشنّع هكذا أحاديث منكرة مستوحاة من روح الإسلام الأصيل وينابيعه الصافية في الطهر والنقاء ، على عكس الغرب الذي فرط فيه العقد الاجتماعي ، ليصير هذا القذف عادة عندهم وأقلها عند الخلاف أو حتى المزاح بالشتم للآخر بابن الزانية أو العاهرة وهم لايتأففون لأنهم في الأغلب مجتمعات إباحية ، بينما ديننا العظيم سور مجتمعاتنا بالفضائل ، وجعل العرض من الضروريات الخمسة مع الدين والنفس والعقل والمال التي يجب الحفاظ عليها والدفاع عنها ، وجاء ذلك مُحكما في سورة النور التي يشع النور من كل أعطافها وحروفها ، وقد ابتدأها الله بكلمة "سورة " من السور ، ثُم أتبعها ب " أنزلناها وفرضناها " الانزال بالأمر من عند الله سبحانه ، والفرض العمل بها على سبيل الالزام الواجب وليس على المزاج والأهواء ، وكما جاء في أيات القذف التي قُصد فيها تحصين المجتمع من الاختراق وإشاعة الفاحشة بالاتهامات عبر الألسن الفارغة ، فقال تعالى " وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ " وكلمة المحصنات تعم النساء والرجال ، ولكن خُصّت بها المرأة لأن قذفها أشنع ، وتقديرها والذين يرمون الأنفس المُحصنات ، بينما رأى بعض العلماء حتّى أن قذف الكتابية والمجنونة والصغيرة ومثلهم الرجال بوجوب الحد عليهم ، والأشنع من الحد هو إهدار كرامتهم الإنسانية بأن لاتُقبل لهم شهادة أبداً إن لم يأتوا بالشهود الأربعة على واقعة الزنا باتهامهم ، وسمّاهم الله بالفاسقين ، وعند البعض أن هذه التسمية على التأبيد في الدنيا بين الناس ، أما مع الله فهو شأنه بقبول توبتهم البينية مالم يتحقق ذلك للعباد ، والقذف سواء كان بالألفاظ الصريحة بالاتهام بالزنا أو الكنايات ، كأن يقول يافاجر" ة " يابن "ة " الحرام ، يا ابن العاهرة ...وألفاظ بالعامية نحوها ، كل هذا يدخل في إطار عقوبة القاذف الذي لايُلقي بالاً لكلمته فقد تهوي به في واد جهنم، وتجاوزاً لحدود الله وجرأة عليه سبحانه ، فإن كان المقذوف زنديقاً أو شريراً فما دخل عرضه أو والديه ،وبالتالي ما أود قوله :
على حرمانية القذف للعفيفين حتى وإن كان المقذوف عدواً أو كافراً ولايشمل القذف إلا في قضايا الزنا ومشتقاته ، حتى وإن كان على غير دين الاسلام أو كان عدواً غير إباحي ، بل هناك من البدائل الكثيرة بتوصيفه بما هو فيه ، كطاغية وسفّاح وسارق ومجرم ونحوهم ، لأن بالقذف تصبح أعراض الأمّة مجروحة ، وسمعتها ملوثة ، وكل فرد يصبح فيها متهماً أو مهدد بالاتهام ، وهذا ما اقتضته الحكمة الالهية في الحفاظ على نقاوة المجتمع فيما يتعلق بالأنساب ، وعدم جواز التشكيك بها ، وكذلك مثله موضوع اللعن الذي بمعناه الطلب من الله لطرد الشخص من رحمته الواسعة التي وسعت كل شيء ، فإنه لايجوز إلا على من مات على الكفر الصريح والردة المبينة ، بما يوجب دخوله النار كالقتل بغير حق ونحوه والتأله واستهداف الدين ، وأما الأحياء من المستبدين والطغاة وأئمة الكفر والضلال فهناك خلاف ، بأن أئمتهم ممن لايُرجى لهم الرشاد ، وأعمالهم لاترجح التوبة ، وخاصة زعماء الردة الباطنيين ومن يتأولون على الله بجرأة ، فجوزوا اللعن على سبيل التنفير منهم ومن جرائمهم وشناعتهم ، ولإبعاد الناس عنهم وكشف زيفهم ، وتلك حدود الله فلا تعتدوها ، فإن كنت ممن يرجون الله فتوقف عن القذف واللعن بحدوده ، وإلا فما أنت إلا مستحل للدين كما يستحله أعداء الله وبالله التوفيق.