وطن... يولد من صرخة

ميس الكريدي

صحفية ناشطة بحقوق الإنسان

هاجمني الدم......

 اغتالني الخوف......

 صباح بلاد عكره الرصاص.......افترس أحلامي ..استطعمت الموت مرارة في

الحلق ....فسقطت على الأرض احتضانا لما تبقى من شذرات وطن..

بلدي ........تنعق الغربان .....يهطل الرصاص.....بسقط بين يدي مضمخا

بالدماء......تنوح طفلة في زاوية باردة.........تلتف امرأة بالسواد,

فيتساقط الدم هطولا على أرض من يوم ندبت على قتلى الأمس البعيد في صمت,

لم تتذكر أن صباحا في الأفق سيشرق يوما, حتى شقت عباب السماء صرخة

الحرية..

من أين انسكبت يا روحا تضج بالحياة, بعد أن ظن الربيع أن لا أزهار في

الهشيم الميت تنتظر قطرة..

من أين ولدت يا بطلا يحمل قلبه على كفه الدامي قربانا منذورا للانعتاق...

من أين استوردتم كل هذا العنف؟!

كيف نبشتم سكون مدني واستبحتم حلمي بالأمان؟!!

كيف خرقتم قلبي بدوي نواح الأمهات...فنزفت إنسانيتي لآخر قطرة؟!

أضعت الله....أضعت اليقين......أضعت عيون أطفالي....أضعت نفسي...

يا بلادي....يا نشيدي.....يا نهاري المطعم بالدم يحل على وجداني صقيعا ....

لمن سأكتب رسائلي في الحرب والسلام؟!

لمن سأوجه ندائي مشفوعا بخوفي على ذرات التراب وبقايا الإنسان؟!

في بلادي يحصون الجثث, يجمعون الأسماء......يسيرون في الجنازات....و

إعلام إبليس المزور بهاجس العد والعدد

لم يتعلم أحد في مواطن احتقار الإنسان..أن قيمة الإنسان أنه إنسان..

أن الأوصال إن تتقطع فهذه مهزلة بشرية....

أن بلادا في البعيد حيث نشبعها انتقادات......نرميها بانعدام

العقيدة.....تستقيل وزارات إن مات طفل بحادث سيارة.

 فتأخذنا الدهشة..لأنه دخيل على ثقافتنا احترام حق الحياة..ومسؤولية

المسؤول..عن أي شيء سوى التطبيل وصر الثروات لمن يملكون عقال ترف

حياته....

الآن ممن نطلب ثأر الشوارع المكلومة؟؟

من سيحمل كل هذا الإرث الثقيل على شعب دما وموتا؟!

إلى أين يا وطنا يتقلب بين القتل والقتل....بين الرواية

والرواية........بين شارع وشارع......بين ضجيج  أبواق تعلموا التهليل

فظنوا أنهم برقصهم العاري يمارسون السياسة..

 يخرجون علينا من كل مكان في العالم إلا من جراح شعب.......ومصيبة

شعب...ولا يشمون عطر قاع المدينة.......المدينة تتكور على

جراحها...فيستعصي عليهم الموقف......يعريهم الموقف......نكتشف كم خطبوا

فينا دون أن يفهموا كيف يريد شعب؟ كيف يقرر شعب؟؟ وماهي أبعاد الإرادة؟؟

أنظمة القتل تفتك.....أزلامها ترقع ثقوبها....مثقفون فيها على مسافة من

وطن ومن جرح شعب......وياللفجوة مابين الدم وبينهما...

قررت باسم آدميتي.....أن أقاطع الكلمات....امتزجت بصورة طفل قضى غدرا..في

بلد تأكل غيلانها لحم البشر ...تشرب الدم ...... أعلنت انتمائي لكل قطرة

من ذلك الدم...

أنا المواطن السوري الذي صمت وصلى أمام مآسيه عجزا......أنا المواطن الذي

يخاف المرور من أمام الدوائر الأمنية........أنا المواطن الذي يسعى للصلح

في خصوماته لأنه لم يتعود انتظار العدل على أقواس المحاكم....أنا المواطن

الذي مشى في الزواريب بحذر ودفع الرشاوي لانجاز معاملاته الرسمية......

أنا المواطن اليوم الذي قرر أن عليكم أن تبرروا انحسار جدران الأمان.......

أن تقدموا كشف حساب على خرائب المدن وأعداد القتلى.....وكل الرصاص الذي

شق الصدور ووحدة الوطن.

أنا المواطن الذي سيقف معتصما في ساحة عامة.....ليرعبكم لأنه لا طموحات

لديه مثل السياسيين.....سأكون قويا بين الأقوياء لأن مطلبي الوحيد هو

استعادة الوطن.

أنا الشباب الذي غادر بوداع حميم وابتسامة على حضن امرأة تقول لجارتها:

ها أنا أخفي عيني المتضخمتين جراحا ونحيبا, حتى لا يتلمس ابني وزوجي وأبي

وحبيبي الذي عشقته بين الموت والموت, ضعف وجداني بوجه الدم فيخلع عنه

الكفن الذي ارتداه بوجه القتلة, كيف سأبث الضعف حين انهار الموت أمام

قرار قطعي بتحطيم الأصفاد, فداءا لجنيني الذي يتخلق في رحمي منتشيا

بانطلاقة فكرة, كيف سأترك وجهي على كتفيه حزينا, يوم امتشق سلامه وسلامي

وبعض الذكريات ليصنع من لحمه الآدمي المتفتت أمام سبطانة جلاد مستقبلا

لابني....

سأنسج حزني فرحا بالمقابر التي شيعت على أبوابها أولادي وأهلي, سأتحول

صرخة على أبواب المعتقلات فكل الأحرار انبثقوا من تحت جلدي, والتحمت بهم

غراما..

في تلك الساعة من شهوات الليل أشرقت شموع تئن حداد بلهبها المتماوج, تذرف

من عينيها شحم القلب المحترق على جراح ظلت مكفنة ببارود الغدر, فتوهجت

على أكتاف الشباب نداءات للحق, وشقت الحزانى بصرخات التصميم جبين الليل,

فلا ظلام غدا.....لقد انفجر ارتصاص الليل وعماه الأبدي......وليكن العمى

رفيق شروق العيون المكحلة بالعتمة.....المهم أن يأتي.