خواطر في الحر القاتل

أ.د/ جابر قميحة

[email protected]

في أواخر الربع الأول من القرن العشرين صدر في الولايات المتحدة قانون يحرم الخمر تحريمًا باتًا قاطعًا : عصرًا وشربًا ، وحملاً وتجارة . وبذلت الدولة جهودًا جبارة لتنفيذ هذا القانون . منها جهود إعلامية خارقة ، فقبل أن يدخل التعديل الثامن عشر على الدستور الأمريكي أقيمت في البلاد دعاية واسعة النطاق ضد الخمر، وانطلقت الرابطة المحاربة لوجود الحانات (Anti saloon league) تسعى وتبذل جهودًا مكثفة لترغيب الأمريكيين عن الخمر، وشرح مضارها بإلقاء الخطب ، وتأليف الرسائل والكتب ، وعرض المسرحيات وأفلام السينما ، وأهدرت في سبيل هذا التبليغ سنين طويلة ، وأموال طائلة، وكانت تكاليف نشرات النشر والإذاعة من صدور القانون إلى سنة 1925 قرابة 65 مليون دولا، وبلغ عدد الصفحات التي كتبت لبيان مساوئ الخمر ومضارها، وزجر الناس عنها تسعة آلاف مليون صفحة.

 وأذاع ديوان القضاء الأمريكي إحصائيات مذهلة منها:

أنه في الفترة من يناير 1920 إلى أكتوبر 1933 قتل في سبيل تنفيذ قانون تحريم الخمر 200 فرد، وسجن نصف مليون، وغرم الجناة ما يربو على مليون ونصف مليون جنيه، وصودر من الأملاك ما قيمته 400 مليون جنيه.

وكانت النتيجة بعد هذه الإجراءات القوية المتواصلة، وبعد هذه المعاناة الطويلة.. لا شيء، مما دفع الحكومة إلى إلغاء القانون إلغاءً نهائيًا، وإباحة الخمر للناس بلا قيود.

 إنه مثل تاريخي من أمثلة الإخفاق الأمريكي الذريع في تنفيذ قانون داخلي.. نهديه للامبارطور بوش الذي أعلن وما زال أنه لا تراجع، وأن حملته العسكرية لن تتوقف أبدًا إلا إذا اقتلع الإرهاب من الجذور، وقضى عليه في كل بلاد العالم قضاء مبرمًا... وإلى الأبد..

 ولست أدري إن كان هذا الادعاء من قبيل "العبط" أم الاستعباط، بل لا هذا ولا ذاك، إنه حالة قهارة من الغرور الشيطاني المرضي الحاد، ومن قبل الامبراطور بوش وقف "إبليس" رافضًا بغروره أمر ربه" قال أنا خير منه، خلقتني من نار، وخلقته من طين" "الأعراف 12"، "قال بما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم، ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم، ولا تجد أكثرهم شاكرين" "الأعراف: 16، 17"، فلا إبليس استطاع أن يفسد كل الناس، ولا الأنبياء والرسل استطاعوا أن يهدوا إلى الحق كل الناس، ويظل الخير والشر في صراع لا ينقطع إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

*****************

بين السوداء والبيضاء

 أره يهبط من طائرته، وقد حمل بيده اليسرى كلبته "السوداء"، فإذا ما ترجل ترك على الأرض كلبته السوداء ، ومد يده اليمنى ليشبكها في اليد اليسرى لزوجته "البيضاء" .... ويسير عدة خطوات إلى المنصة الفردية التي أعدت له ، ويخطب في عشرات من الصحفيين كانوا في انتظاره، وترتسم على شفيته ابتسامة غرور خسيسة "وهو يقول لقد استطعنا ببطولة طيارينا أن نسيطر سيطرة كاملة على سماء أفغانستان" .

 وأضحك ... وأضحك ... وأضحك – كما يقول الدكتور محمد عباس- ولكنه ضحك كالبكاء . وأقول للامبراطور بوش: .... خلا لك الجو فبيضي واصفري .

 ورحم الله الشاعر الذي قال:

 وإذا ما خلا الجبان بأرض = طلب الطعن وحده والنزالا

*****************

اقتراح... مجرد اقتراح

 بلا شماتة ... ولا تهكم ... ولا تعصب أقول : لو ثبت أن أسامة بن لادن كان هو المخطط الحقيقي لضربة الناطحتين التوأمين في نيويورك هازمًا بذلك كل الإمكانات والقدرات المخابراتية الأمريكية الأسطورية لكان معنى ذلك أن بن لادن عبقرية فذة . وقد أعجبتني كلمة قالها الدكتور مصطفى الفقي في التلفاز المصري "لو كان أسامة هو فاعلها لدل ذلك على أنه أقوى رجل في العالم"

وقد تكرر هذا الحكم على ألسنة عشرات من الكتاب والمفكرين بعد ذلك.

 وأنا بدوري أقول للإمبراطور بوش: رجل في عبقرية بن لادن لماذا لم تستفيدوا منه بدلاً من محاكمته أو قتله، وذلك بأن تعينوه رئيسًا للولايات المتحدة مدى الحياة ؟!.

*****************

حتى العسل يا عرب

 أغرب خبر قرأته – وما اكثر غرائب الأخبار- أن السلطات في بلد عربي ألقت القبض على تجار عسل النحل – لكن لماذا ؟! قيل لأن أسامة بن لادن كان يتاجر في عسل النحل ، ولا يستبعد تعامل هؤلاء التجار مع بن لادن . وهذا يعني أنهم يشتركون في تمويل تنظيم القاعدة الإرهابي .

 بعدها قلت لزوجتي : لتكن وجباتنا الثلاث من عسل النحل حتى نأتي على آخر نقطة من الكمية التي نحتفظ بها في المطبخ ، وبعدها لن يدخل العسل بيتنا بعد ذلك. فلما سألتني عن السبب ، أجبتها : لا تستبعدي أن تقرأئي في صحفنا القومية ذات يوم الخبر التالي: شاهد رجال الأمن شابًا في العشرين من عمره ، ومعه حقيبة صغيرة ، وعلى وجهه أمارات الحيرة والاضطراب ، واعتقد رجال الأمن أن بالحقيبة مخدرات، فأمروه بفتحها ، فزاد اضطرابه ، وادعى بأنه فقد مفتاح الحقيبة الصغير، وألقى بالحقيبة ، وحاول الهرب ، ولكن رجال الأمن لم يمكنوه ، وأمر ضابط الأمن رجاله بكسر الحقيبة ، وصرخ في صاحبها بعد أن اكتشف ما في الحقيبة: "آه يا مجرم ... يا إرهابي ... برطمان عسل نحل !؟ ".

 *****************

حسنين ومحمدين

 - هيه يا حسنين ... مبروك علمت أن المحكمة قد حكمت برفض دعوى الفسخ المقامة من زوجتك .

 - مبروك على ماذا؟ لقد قالوا لي : تعال بعد شهر . سألتهم عن السبب . أجابوا لابد من موافقة "لجنة الأحوال الشخصية للمسلمين" . فقلت لهم "أنا لم أسمع عن لجنة بهذا الاسم". قال مسئول كبير في المحكمة: لا تؤاخذنا بجهلك؛ إن عدم سماعك بها لا ينفي وجودها!! سألتهم: وهذه اللجنة كيف أصل إليها؟ ضحك المسئول، وكل الحاضرين من بلاهتي. وقال المسئول الكبير: لا تروح ولا تيجي.. سيصل إلينا قرار اللجنة بالبريد، وعليك أن تحضر بعد شهر لمعرفة النتيجة.

 لم أفهم شيئًا.. مال على أذني أحد المحامين – من أولاد الحلال- وهمس "يا بلدياتي كلامهم صحيح.. لابد من قرار لجنة الأحوال الشخصية للمسلمين ". سألته : وما محل هذه اللجنة؟ أجاب: طبعًا : واشنطن . قلت: كيف نسمح لأنفسنا بأن ننشيء لجنة تفصل في "الأحوال الشخصية" في بلد أجبني؟

*****************

عبقرية ضائعة

 حدثت هذه الواقعة في عهد حسين بهاء الدين وزير التربية والتعليم . وخلاصتها أن مصرية اسمها "ابتهال محمد جَلْبَطْ" من إحدى قرى مركز الشهداء بالمنوفية ، حصلت في الثانوية العامة السعودية على مجموع 100% - أي الدرجات النهائية في كل مادة- وكانت الأولى على المملكة التي احتفت بها وكرمتها ، ومنحتها عدة أوسمة وجوائز ، زيادة على لقب الطالبة المثالية .

 ولأن زامر الحي لا يطرب ... لم يطرب لها أحد من المسئولين في وزارة التعليم المصرية ، ولا اهتمت بها وسائل الإعلام كقدوة حسنة عقلاً وعلمًا وخلقًا ، ومثل مشرف لوطنها ... مصر الحبيبة !!!!!

الوفد 3172002