عدوى

د. بلال كمال رشيد

[email protected]

منذ أن بزغ فجر الانتفاضة الفلسطينية وللحجر قيمة وأثر في المقاومة والتعبير والتغيير ، إذ حرك ما كان ساكنا ، إذ انتقل من يد فتى إلى يد فتاة  إلى يد شيخ  ،من شارع إلى حارة إلى  وطن بأكمله  ،وأصبح له صولات وجولات، ولما كان للحجر هذا الأثر والتأثير أصبح أملا لكل ضعيف ، فاجتثه من تحت قدميه ، وحمله بيديه ضاربا ؛ليواجه به ظلما ضاريا !!

ومنذ  أن غضب منتظر الزيدي ،ورمى بفردتي حذائه من رمى ،أصبح الحذاء سلاحا قابلا للاستخدام، ولرد الاعتبار، وأصبح لغة فارقة بين العزيز والذليل، بين الضارب والمضروب  وانتقلت العدوى من العراق إلى كل بلد يمكن أن يلتقي فيه مظلوم بظالمه ، وكان الحذاء قاب الرأس أو أدنى !!!

ومنذ أن طفح الكيل  بمحمد البوعزيزي  في تونس ولم يجد  من يفتح له بابا  ويسمع منه خطابا  ، ولم يجد لوجوده  وجودا قام باحراق نفسه ؛ليجعل من نفسه رسالة لعلها تصل  ، فوصلت المرسل إليه حارقة  ماحقة !!!

فهل من معتبر ؟؟!!

وها هي العدوى تنتقل إلى بلاد أخرى ، وأصبح الحجرُ والحذاءُ والحرقُ أساليبَ الضعفاء  الفقراء المضطهدين في الأرض !!!

  تلك عدوى  سريعة الانتقال بين شعوب الأرض المضطهدين ، لن  يمنعها علاج مؤقت ،ولا وعد ولا وعيد ،  ستتجاوز  هذه العدوى الحدود  ،ستقلب المعادلة وتفرض العدالة |،ولو بعد حين – وإن طال –  لابد من الوقوف عند الأسباب وعلاجها لتحمد بعدها النتائج !!!

لا نريد  أن يكون الحجر والحذاء والحرق وغيرها ألسنة شتى ، ألسنة  نارية وبديلة للسان الحوار  ، فبالحوار يدوم الحكام وتهنأ الشعوب ، يرتاح الرئيس ويسعد المرؤوس، تكون الشورى سيدة الحكم ، يجتمع القوم على الهدى  وينبذون الظلم والضلال !!

 رحم الله أبابكر الذي  أوجز سياسة حكمه  في خطابه :( الضعيف عندي قوي حتى آخذ الحق له ، والقوي عندي ضعيف حتى آخذ الحق منه )، بذلك يتحقق العدل ، ويعدل الحاكم وينام آمنا مطمئنا !!

إن قوة المحكوم في قوة الحاكم ، وقوة الحاكم  تكمن في محبة رعيته والتفافهم عليه والتجائهم إليه كلما ضاقت بهم السبل ، فهو الحاكم والحكم ، والملاذ والنصير ، فكيف يكون الحال إذا كان هو  الفاسد الظالم المستبد ، إذا كان سيدا ً على المظلومين  و سنداً للظالمين ؟؟!!

 للضعيف لسان لا  بد أن يجد فضاء للبوح والنداء  ،  لا بد أن يجد الأذن الصاغية ، والإدارة السليمة  في أن تجعل يأسه بأسا ، وإلا فلن يعدم وسيلة في التعبير  سعيا نحو التغيير !!!

نريد أن تكون العدوى ايجابية في الاحتكام إلى الشرع والقانون ، في احقاق الحق ، في نزع الظلم ، في  تحكيم نهج أبي بكر ،

نريد أن ننصر  قومنا ظالمين ومظلومين ،حتى نربح قومنا، وندحر الظلم فيهم  لا أن ندحرهم ، لانريد لهذه العدوى أن تنتقل ما بين المظلومين المضطهدين  ولكننا نريدها أن تنتقل إلى الظالمين؛ ليمتنعوا عن ظلمهم ، ليفتحوا الأبواب ـ ليسمعوا أنات شعوبهم ومطالبهم ، ليصححوا ويصلحوا ،

قبل أن يأتي يوم عليهم  لن تنفعهم أموالهم ولا شعوبهم  ولا أقوال محبيهم ولا هتافاتهم ، ولا سلطة تمسكوا بها ، قبل أن يأتي يوم عليهم، يقول فيه  شعبهم بلسان عربي مبين : قد عزلناك فقم !!!