طاووسٌ.. إذ تجبّر
سحر المصري
طرابلس - لبنان
تختال في مشيتها.. وتترنّح.. حتى تكاد تلثم وجه السماء.. بكِبرها..
تنظر إلى الناس كأنهم تقازموا.. وهي من فوق سبع طباق من التفاخر.. كأنها خُلِقت من طين مُذَهّب مُزِج ألماساً ولؤلؤا..
فإذا ما "اضطرّت" إلى النزول من برجها العاجيّ لتتعامل مع مَن "دونها" ضغطت على أنفاسها لتتنفس هواءهم الملوّث بالتواضع والطيبة.. فبعضٌ يُخدَش كبرياؤه من تعاليها الظاهر.. وبعضٌ ينظر بعين الشفقة.. وبعضٌ يقف مشدوهاً فارغاً فاه أمام جبروتها معتقداً أنها "قوة شخصية" فما يزيدها ذلك إلا تباهياً وثباتاً على كِبرها..
وفي وسط الجمع.. يعلو صوتها ويجلجل.. تتكلم بثقة اجتازت حدّها لتتحوّل إلى عجرفة.. فهي الأفهَم.. وقيمتها هي الأعلى.. وهي الأشهَر.. وإن فتشت عمن يعرفها ستدرك أنها هي التي "دون" أترابها! فكيف أقنعت نفسها أن ما عندها أفضل مما عند غيرها؟!
وويلٌ لمَن ساقه القدر إلى التواصل معها وهي له رافضة.. فحينها تُلغى كل القوانين الربانيّة والوضعيّة والبدائيّة.. وتُنفى كل آداب وذوقيات المعاملة.. ولا اعتبار لأي أمر قد يتعرّض له هذا الدخيل إلى قصر عليائها.. برغبة منه أو غصباً عنه.. فحينها سيكون لقمة سائغة لاحتقارها المغلّف ببسمة زائفة.. ولمواقف "الخِفّة" والاستهزاء أمام الآخرين.. ومهما كان الذي أمامها قوياً فلا بد أن يتأثر سلباً في ساحة هي مَلِكَتها!
نظرتُ إلى هذا الواقع المرير.. أقول: "مرير" لأن هذه المرأة قد تكون محجّبة.. وتنشر أنها متمسكة بحجابها فخورة به.. وكل ما فيها ينطق بعكس ما أوصى به الحجاب والإسلام.. وتأمّلت.. ما الذي يجعل هذه المرأة تتكبّر.. أهي عقدة نقص؟ أم اغترار بمواصفات خَلقيّة أو دنيويّة لو شاء الله جل وعلا لجرّدها منها قبل أن يرتد إليها طرفها! أم ربما صدى إعجاب مرّ على مسمعها يوماً.. أم إعجاب في نفسٍ لو تنشّقت ريحها لهوَت من النتن! أم اختلال في القِيَم حتى لتجد ربما هذه المرأةُ تزدري أحدَ الناس وهو خير من ملء الأرض من مثلها!
أما سمِعَت يوماً قول الحق جل وعلا حين قال "سأصرِفُ عن آياتي الذين يتكبّرون في الأرضِ بغير الحق"؟!
أما سمِعَت قول الحبيب عليه الصلاة والسلام "لن يدخل الجنّة من كان في قلبه مثقال ذرّة من كبر".. ذرّة! فكيف إن كانت جبالا! تؤذي العباد وتُرهِبُ؟!
ألم تر مصير "إبليس" حين تكبر؟!
أليس أجمل من ذاك الكبر قلبٌ متواضِع يشعر المحيطون به والمتعاملون معه أنه قريب من الله جل وعلا وقريب من عياله؟! ثم إذا بعدوا عنه يدعون الله جل وعلا له في ظهر الغيب.. ويتمنّون أن يُكتب لهم اللقاء به عن قريب..
وإن بقي على هذا الغرور فأقلّ ما يلقى في الدنيا بُغض الناس وانفضاضهم عنه وذكره بالسوء والهروب من مجلسه أو الامتعاض إن ذُكِر في ملأِ خير!
كلنا في هذه الدنيا يسير.. وفرقٌ كبير بين من يمشي لروحٍ وريحان وجنّة نعيم.. وبين من يهرول الخُطا لمثوى في جهنم خُصِّص للمتكبرين!
اللهم لا تطبع على قلوبنا.. ولا تصرفنا عن آياتك.. ولا تجعلنا من المستكبرين.. اللهم وانزع عنا رداء الكِبر.. واهدِ قومي.. فإنهم لا يعلمون!