ومن الوهم ما قتل
د. بلال كمال رشيد
أوهموه أنه أهلٌ لها ،وأنهم أهلٌ له، وأنه صاحب فراسة وكياسة، جدير بأن يكون من أهل الساسة والسياسة ، يفهم شؤون البلاد والعباد، و أن عنده من المؤهلات ما تؤهله لأن يخوض غمار المعركة الانتخابية ، فالمتعاركون المتنافسون ليسوا أحسن حالاً منه، فلا مقامهم أفضل منه مقاماً ، ولا مقالهم أفضل منه مقالاً ، فكر فيما يقولون ويؤملون ، برح يسرح ويتخيل، ويتمنى ويتأمل، لبى نداءهم ،واستحيا أفكارهم ، فكان كما أرادوه: صاحبَ مبدأ ومواقف ، شهماً للأوفياء ، سهماً للأعداء ، و حلق في فضائهم ، قابلاً التحدي، وكانوا أهلا لحَملته وجُملته تسويقاً وتزويقاً ، فالمتعاركون سواسيةٌ لا فَضْلَ لمرشح على مرشح إلا بحبِّ الناس وثقتهم ، وحبُّ الناس متحقق بهذه الأعداد الغفيرة التي تؤم المقر: مبايعين ومؤيدين ومؤازرين ، آكلين وشاربين ،جمعهم وأحصى عددهم : عشرات ومئات وألوفا مؤلفة، بسط لهم يده ، وبسطوا له ألسنة حادة وأيادي معاهدة ،والأعداد تزداد كثرة ونفرة ،تبشر بفوز باهر وقاهر ، سمع من حلو اللسان ما سمع ، فرأى مقعده في البرلمان رأي العين ،
وجاء يوم العزم ويوم الحسم على غير ما يحبُّ ويرضى ، على غير ما حسب وتمنى ، فالعدد الذي فاز به لا يمثل عدد حاملي حملته ، فأين الذين تهافتوا إلى مقره ، وهتفوا بحبه ؟؟!!،
أين أصحاب العهد والولاء؟؟ ، أين أهله؟؟ ،أين الألوف المؤلفة التي لم تأتلف عليه ؟؟ أين العدد؟؟ وكيف أصبح بددا ؟؟!!
أين الناس؟؟ وحب الناس ؟؟، ، عاد خاسراً ساخراً ، باسطاً يديه ، عاد ملوماً محسوراً، عاد إلى نفسه مفكراً فيما كان وفيما آل إليه، صلى وسلم على من قال :رحم الله امرءا عرف قدر نفسه ، فعاد إلى سيرته وغيّر مسيرته من بيت الأمة إلى بيته ،ذاكم أصدقُ وأوفى مقراً، وجلس على مقعده البيتي الذي لم يخذله يوماً ، جلس بإفلاس، يضرب الأخماس بالأسداس، استيقظ من وَهْمٍ أوقعوه فيه ، فلم يجد نفسه أهلاً لها ، وافتقد في أهله سنداً وأهلاً له !!!!!