رحلة ونفسي في أعماق الظلام
رحلة ونفسي في أعماق الظلام
د.عبد الغني حمدو /باحث وأكاديمي سوري
أستشعر بنوع من الأمل , لعل ذلك النور قادم , لينير ما بداخلي وحولي ومدارك إحساسي , يا نفس لا تلومينني, فلست إلا إنسان محمول بهموم الأرض كلها , فلا يعتريك ما ترينه مني , الكرة الأرضية محمولة على ظهري منذ زمن بعيد , فلست في فسحة من الزمن لأهوائك الشريرة أو الخيرة وقناعتك
فما أنا إلا من هذا العصر عصر ظلام حل فوق هذه الأمة كما ترين
تقطعت بي السبل ولم أجد إلا هذا الظلام
لست أدري هل نحن في أهوائنا ومسيرتنا مجردين من كل شيْ له معنى في الحياة , هل تعرفين أنني أشعر أحيانا بقول الله تعالى في وصفه للكافرين , في سورة النور , يلبسنا بالكامل ,مع أننا نرى نور الله في أعماقنا بأننا مسلمون مؤمنون لا ينقصنا من ذلك إلا تزكية من الله العزيز الحكيم
فانظري يا نفس لقول الله تعالى :
(وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ
أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ )
وكانت مصيبتنا في بداية وعينا , وما ذنبي أنا؟!!
تجعلني في ظلام كهذا ,متى تخرج منه لترفع عني إثمك, لترفع عني ظلمات فوق ظلمات , لتعيد لي بسمة طفل أو زهرة برية من حقول الإ قحوان , لقد مللت من هذا الجسد , من العفن والرطوبة والروائح الكريهة في مكان لم تره الشمس منذ قرون , إلا بطلة بطل ومجاهد تذهب بسرعة , بيد مقتنصي التضحيات لتعيدنا لعمق أكبر وأكبر
في قلب ومركز الإعصار , أو في قعر بحر هائج مختلط أمواجه بذرات كل تراب , وعواصف تهب فوقه , وغيوم وسحاب وضباب , في مثل تلك الحالة جاءت تشبيه الآيات تلك , وفي مثل تلك الحالة تعيش الأمة في تلك الظروف
وفوق كل ذلك أقدام متسلطة تضغط على الرؤوس ليعم الظلام أكثر وتنقطع الأنفاس لكي لا ترى حتى يدك إن أخرجتها وتقول لي
تعالي نتابع المسير , عجبا فعجبا
وما العجب يا نفسي الطيبة
العجب مازلت مصرا على استرداد الحق , وأنت ترى ما ترى , وفي أي حال أنا ومعك وأنت ومعي
نعيش في بلاد الأنفاق والظلمات
فإلى متى مستغرق لعنادك ومتتبع لأمل ضاع مع الأعاصير بأيدي الجميع , فالعند في بعض حالاته كفر , والتناحة في بعض حالاتها تهور
ولكن يا نفس
ألا ترين معي , أو تتفقين مع رأيي :
على كل شبر من هذه الأرض لابد أنها ارتوت بدم شهيد , أو مر عليها رجل حر كريم , وعليها نبتت أزهار الأرض كلها ومن عطرها وشذاه ارتاحت نفوس العالم أجمع , لتكون عروسة مكللة بتاج مصنوع من كل الأزهار البرية , واللؤلؤ والياقوت والمرجان
ومن أجل هذا سأستمر في طريقي , ولن تثنيني ولن أعدل عن حقي بعندي وتناحتي , وستكون تلك وريثة للخيرين من بعدي
لعلهم يصلون لنهاية الظلام , لعلهم يجدون النور الساطع المنبعث من نفوس قاطنين هذا الوطن المبارك والجميل
وما قول النبي موسى عليه السلام عنا ببعيد
كما ورد في كتاب الله العزيز الحكيم:
(وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (٩) إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى (١٠)) طه
وسوف أسير لعلي أجد تلك النار , ولعلي أجد على النار هدى
فسيري معي وكفاك تنطعا يا نفسي العزيزة ,فلقد تحملت الكثير والكثير
ومشينا وكلما مشينا خطوة أو خطوات تعترضنا , عثرات كبيرة وأصوات صاعقة وأنفاس تزهق , ونهوي في أماكن عميقة ولا نعرف إلا:
نفق بداخله أنفاق ولدنا فيها , ومشينا فيها نتعثر في مطبّاتها عددها ثلاث وعشرون , أو اثنان وعشرون , وفي كل مطب أو قعر نسمع فيها صراخ وعذاب وسوائل لها طعم واحد , لا تتغير فليس هي بماء ولا شيء مكروه ربما عرفته قبل الوعي منذ زمن بعيد , إن لونه كلون زهر الرمان , أو كلون الدم لابد أنه الدماء البريئة تصب فوقنا لتزيد المكان أكثر رعبا , في كل شبر نسير فيه
يا جسدي العزيز , يبدو أننا لسنا وحدنا , توجد في الممرات كأنها مجمعات سكنية فيها بشريسكنون تحت الأرض في هذه الأنفاق المظلمة
لعلهم أرادوا العدل , فوضعوا في المكان الأعمق , لعلهم تجرؤا على قول كلمة الحق , فكان مصيرهم هذا
لا تهتمي فحالك ليس أحسن من حالهم , وأحوال من يظنون أنهم في النور أتعس من حالنا وحال هؤلاء
فعلى الأقل سنحتفظ بذكرى نور انطلق من داخلنا , وأردنا أن ينار به أهلنا ولكنهم رفضوه وفضلوا الظلم
فهم مع الظالم ظالمون والظالم ظالم ومن يسانده أظلم منه لأنه مده في طغيانه وظلمه ونفذ الظالم ظلمه بدعمهم وبأيديهم ليتربع على عرش المزاد , وبدراهم معدودات بخسة , يبيع الوطن وما فيه
فقولي معي يا حبيبتي يا روحي الطيبة , ورددي معي آيات بينات من كتاب الله العزيز:
(وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (165 )
ِإذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ (166)
وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّؤُواْ مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ(167) ) سورة البقرة