رسالة إلى صغيرتي

من أوراق مُهجًر

رسالة إلى صغيرتي

يحيى بشير حاج يحيى

عضو رابطة أدباء الشام

أي بنية : قبل ان اخط  إليك هذه الكلمات  أسأل نفسي

:هل تستطيعين فهم كل ما أكتبه اليك ،  وأنت لم تتجاوزي السابعة بعد ؟

اي بنية : لكم أشعر بالضيق ، كلما حاولت ان اتصور شعورك وأنت ترين بيتنا يتهدم , وثوب العيد  يحترق ،ولعبك تتناثر ,والدخان يتصاعد من الابواب والنوافذ .

يا بنيتي : إن أنسَ لا أنسَ صوتك وأنت تقرئين في كتابك :

فلسطين  داري              ورمز انتصاري

كنت كلما سمعتك أضع في ذهني أن أحدثك عن قضية المسلمين الأولى فلسطين بعد أن تكبري قليلا، وأقص عليك جرائم  اليهود ومخازيهم ، ولكن كنت متحيرا كيف أقرب إلى عقلك وتصورك أفعال اليهود في قبية ودير ياسين ،وأنا لا أملك صورا لها ؟

أما اليوم فلن أجد صعوبة ، ولن أصطدم بعقبة ؛ لأنك رأيت بعينيك الواسعتين يهودا من نوع آخر أو هكذا فعل اليهود !

أي بنية :تذكرين كيف أ ُخرجت من المنزل وأنا أعاني من نوبة ألم حادة ! تذكرين أولئك الرجال الذين وقفواعلى سلم المنزل  وعند الباب وقد أخذوا أباك وأنت تبكين ،وكيف أن أختك  وهي دون الثالثة فهمتْ ما فهمتِ  فراحت تضج بالبكاء .

لقد صاحت  بك أمك أن تكفي عن البكاء ،وأن تذكري الله .....ثم ذهبتِ في الصباح إلى المدرسة  ‘ وأنت تغضين الطرف ‘مما لفت نظر المعلمة  وكان فمك الصغيرلا يفتر عن تنفيذ وصية أمك لك.

وعاد أبوك في وقت متأخر من الليل ‘وهو لايزال يحس بالآلام  وبنوبات المرض .وتذهبين في الصباح إلى المدرسة ‘وأنت أكثر نشاطا ومرحا ‘وتلمح المعلمة ذلك  وتسألك : هل عاد أبوك ؟ فتهزين رأسك وتجيبين  بابتسامة .

أي بنية :هل تتساءلين لماذا أ ُخذ أبوك مرة بعد مرة ؟ لماذا أُحرق بيتنا ؟غدا ستعلمين ! ولكن اذكري أن  أباك لم يكن مسؤولا عن شركة أفلست ، أو مؤسسة نهبت ،وأن يد أبيك التي تعلمت الوضوء على يد أطهر الرجال ،لم تمتد إلى مال الأمة ،ولاهتكت أعراض الناس ،ولاتركت البندقية على الحدود واستدارت نحو العاصمة .  ....     

أي حبيبتي الصغيرة : سمعت بأن أختك صارت قادرة على أن تردد ( الله معي ، الله معي ) فعلميها بعد ذلك ( يا نفس صبرا لا تجزعي ) .

وعلمت أنك حفظتِ كثيرا من سور القرآن وأنك تتابعين القراءة والكتابة بعد أن تركتِ المدرسة .

وأنا _ يا بنيتي _ قد تزوجت من ( مَدْرَسَة ) ، وقد تعجبين وتقوسين حاجبيك فتزداد عيناك السوداوان اتساعا !! _أليست أمك هي التي تعلمك اليوم ، فهذه هي المدرسة التي عانيت طويلا حتى ظفرت بها _ لأنني كنت أحس في قرارة نفسي ، أنني بحاجة إلى مَدرسة لا تقفل أبوابها بعدي ، ولا تعرف العطل ، ويُعلم الطفل فيها ويربى .

أي بنية : إذا كنت أغبط نفسي على شيء _ وأنا اليوم لا أملك من حطام الدنيا إلا محفظة فيها ثوب واحد وقلم وبعض الورق . أغبط نفسي على أنني اهتديت إلى الإسلام بعد غربة عنه ، وظفرت بمَدرسة تعلمك إذا طال غيابي .

حفظك الله وأختك ومدرستك ، وأعدك بثوب عيد جديد وحلوى ولعب ، وقُبَل ، ودموع فرح ، وفرج قريب بإذن الله .

أبوك المشتاق