قصتي مع الطبيعة

منى كوسا

[email protected]

عيوني تحدق في الأفق البعيد وتزدحم في رأسي عشرات الصور والأفكار,تتشابك التمنيات على الورق , قد يتخيل إلي أحياناً وقوع أحداث أتمنى أن تتحقق كأن تتوقف الحروب وتظل الأشجار تحرس الحدود راسخة تحافظ على مدنها تتشبث بأرضها , وأن تعلوالوجوه ابتسامات , يزاح عن النفس كابوساً ثقيلاً.

يصبح للفرح أقدام تركض تتسلق الجبال و الوديان تهبط إلى كل مدينة ومنزل لتغمر الصدور بالبهجة و السرور.

قطعت تأملي الهادىء حين تناهى إلى سمعي زقزقة العصافير و هي تصغي إلى لحن الحياة ,كنت آنذاك واقفة تحت جذع شجرة وكأن قدماي ترغماني على الوقوف في جو كان كل شي فيه يموج بالخضرة والحياة , هنا أشجار الجوز و اللوز و الرمان و هناك أشجار الليمون المثقل بالثمار, حضور طبيعي طاغ جعل الدم  يسيقظ في عروقي و ذاكرتي روزنامة الأيام الماضية , ينتابني شعور بأن الطبيعة بجمالها يجب أن أرسمها بلوحة أحتفظ بها كذكرى , أضع عليها توقيعي فرسمتها بعد أن أخذت أناملي فيها شيئاًعجيباً ينقل الإنسان من عالمه المادي إلى عالم روحي سام بعيد, يبهج و يسعد و كأنه نعيم خالد .

في هذه الاسترسالة الساحرة من استرسالات الفكر و الرسم سرى إلى نفسي عبق منعش يتقدم نحوي بخفة فانتبهت من حلم جميل إلى حلم أجمل , و من رؤى أخاذه إلى رؤى تفوقها أخذاً وسحراً, رنت عيناي إلى هذا الساحر الفتان الذي ملأ البصر و أعجب الفؤاد و إذا بي أرقب النهر أمتع الطرف و أترك لنفسي العنان لتسرح في أجواء الفكر الفسيح و تغور حتى أعمق أعماق مياهه العذبة....إلى القاع و قد امتزج صوته بحفيف الأغصان تحركها نسمات معطرة بشذا زهور البيلسان .

علقت روحي وبصري به فلم أعدانظر غيره و كأني اقرأ فيه اسم بلدي , عرفت به موطني , ابتسمت له ابتسامة تفوق ابتسامة البشر , رددت له التحية بلغة الروح و الشوق قائلة :يا نهراً جرف كل شيءفي طريقه لك مني ألف سلام ....

تعال بهدوء و صمت لا تأت مصحوباً بالصخب ,

 تعال بسلوك ينسجم مع نمط حياتي التي دامت أعواماً طويلة دون ضجيج ,

 تعال في واحدة من لحظاتي العادية حين يكون القلم بيدي و الأوراق بجانبي ,

 تعال ليلاً ونهاراً , في جميع الفصول ,

 أنت من سميتك أمير المواسم و الأمطار يكفيني أنني لا أضطر طلب الماء من أحد.

انقل منزلي عند حافتيك , لأضع ذاكرتي على سطحك , أجلس عندك , ألقي رداء العمل , أتمدد على سريرك الهادىء , أمتلىء بصوتك القادم لحناً يوقظ من جديد كل ما بداخلي , أتعرف لنور أيامي بعذوبة كعذوبة ماءك على الظمأ ,أعانق الصمت , أتدحرج على صخورك نقطة بشرية , قطرة ماء , أخلع نسيج الجسد ونفسي قريبة من مرح طفولتي بلعبها وهذيانها , أرسمك لوحة أنت رسمتني بها فتوحدنا معاً.

آه ما أجملك يا صديقي لم أكن أتصورك في مثل هذا الجلال وهذه الروعة و ما يدهشني بك هذا التحول من ماء إلى روح.

أنت ....أنت أيها العابر من هنا أعرني حبة رمل منك فهي من الوطن و دعني أرحل بها دون جواز سفر ,ها أنااليوم أبحث

فيك عن شيء غير الذي أقرأه في الصحف العالمية , أهرب من زخرفة الكلام فكم تمنيت لونقطع طريق الجدل بالعمل ونمضي ...نمضي بلا مقدمات فما جدوى أن نرصف الحرف فوق الحرف ونحشو الكتب و الصحف بكلمات كثيرة بلا هدف.

وحدك من يكسوني حنيناً , يأخذني تدريجياً إلى تضاريس الوطن  و وحده الأدب يغريني بالكتابة أولد و يولد مني ولا يستطيع أن يفرقنا أحد ,استبدل بقلمي سيفاً وبحروفي رصاصة قاتلة كحبي لك بعد أن اكتشفت قصتي معك , أما اليوم و قد غمرني الحب بلقياك رفعت  جبهتي للشمس و قد ملكني سلطان الطبيعة , شعرت في قلبي دنيا جديدة لم أشعر بها من قبل ,ها أنا الآن أصبحت الكلمة والوطن.