عبر الإنترنت

عبر الإنترنت

رضوان سلمان حمدان

[email protected]

هل يمكن أن نطلق على الإنسان أنه كائن مشاعري..

تتحكم فيه المشاعر وتسيطر عليه وتقوده إلى اتجاهات مختلفة حيث تشاء.

هذه المشاعر إما أن تكون طليقة "منفلتة" وإما مضبوطة في إطار العقل والحكمة والاتزان والدين.

قد تتوجه المشاعر نحو شخص ما لسبب من هذه الأسباب:

1- الصوت : كما قال بشار ابن برد الشاعر الأعمى:

يا قوم أذني لبعض الحي عاشقـة               والأذن تعشـق قبل العين أحيانا

قالوا بمن لا ترى تهذي فقلت لهم                الأذن كالعين توفي القلب ما كانا

من هنا كان تنبيه رب العزة لهذا الأمر فقال:

{ولا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا}

وقوله تعالى:

{ولا يضربن بأرجلهن ليُعلم ما يخفين من زينتهن واتقين الله}

وكم نحب ونعشق مغنيا لجمال صوته مع شناعة صورته، كعبد الحليم حافظ مثلا - مع الاعتذار لكل من يحبه-

وكما يقول المثل العربي: تسمع بالمُعيدي خير من أن تراه.

2- جمال الشكل والصورة:  وهذه المشاعر المتجهة إلى الصورة من أشنع المشاعر وأكذبها وأخيبها

والذي يتوجه بعاطفته إلى الشكل دون المضمون هو خاوٍ فارغ..  في الحقيقة.

يروى أن رجلا جميلا مهيبا جلس في مجلس أبي حنيفة فاعتدل أبو حنيفة قابضا رجليه.. بقي الضيف صامتا وبقي أبو حنيفة على حاله تلك يلقي درسه

حتى تكلم الرجل الضيف فقال أبو حنيفة: آن لأبي حنيفة أن يمد رجله.

نعم، جمال الصورة والشكل يشد الانتباه ويدغدغ المشاعر هذه حقيقة لذلك نبه تعالى على عدم التمادي في النظر حتى لا تحُـل الصورة من القلب محَـلا، ثم ينكشف الغطاء فإذا الجهل والسفه والخِفة..

وهنا تكون الصدمة المشاعرية العاطفية لأحد الطرفين أو كليهما يقول تعالى:

{قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ..... وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن}

ويقول عليه السلام: "النظرة سهم من سهام إبليس".

وحتى لا يقع الإنسان ذكرا أو أنثى في - مطب - صعوبة وألم التراجع أرشد الرسول إلى أن لا نُتبع النظرة النظرة فإن لنا الأولى وليس لنا الآخرة – بمعنييها

فإذا تمت النظرة الأولى وهي نظرة الفجأة اصرف بصرك

وتشمل الصورة الحية المجسمة أو الخيال المتحركة أو الثابتة - حبس الظل  -

3- الكتابة : قد نُبهر بإبداعٍ روائيٍّ أو شعري أو مسرحي... حتى ينتقل الانبهار والإعجاب من النص إلى صاحب النص.

وكثيرا ما نشتري أو نقرأ الكتاب "ديوانا، رواية، قصة، مسرحية،..." لأنها لفلان الذي ملك إعجابنا.

وكم من كاتب مبدع تأخر ظهوره أو غُمِر لأن المشهورين - أكلوا الجو - فحَجبوا غيرهم.

ويشكل الانترنت اليوم والمنتديات وسيلة مهمة للانتشار والتعريف وإبراز المواهب والإبداع الحقيقي..

وقد يتم التواصل المباشر عبر الاتصال الهاتفي أو الإنترنت مع المبدع وقد لا يتم البتة لأنه ليس على قيد الحياة ومع ذلك نحبه وهو تحت التراب ندافع عنه نكتب عنه معبرين عن حبنا وإعجابنا، نقلده، نجعله قدوتنا، نقتفي أثره

 4- الفكر:  وهو من أخطر أنواع الحب والإعجاب لأنه يؤسَّس على العقل، والعاطفة التي تسقى بماء العقل كالشجرة الراسخة أصلها ثابت لا تزحزحها الأهواء ولا تتمكن منها الأعاصير..

فإذا تمكن الإعجاب العقلي تبعه الحب القلبي هذا الحب المزدوج هو الذي يرمي بصاحبه إلى التهلكة في سبيل من يحب دفاعا عنه يفديه بروحه ونفسه وماله، وفي التاريخ والحاضر من الشواهد ما يكفي...

 5- أما الإنترنت فهو مما غزا عقولنا وأوقاتنا ومشاعرنا.. نجد فيه كل ما سبق ذكره " الصوت والصورة والإبداع والفكر ..

والإنترنت اليوم وسيلة تواصل سهلة وميسورة بينك وبين من تعجب به من الأحياء، إما بالمحادثة أو المحادثة والصورة الحية أو التراسل بالبريد الالكتروني.

والخطورة هنا في سوء الاستخدام، والانفلات من العقال.

وأنا الآن أتحدث عن العقلاء المنضبطين قيميّا... الذين يقصدون من تواصلهم إغناء الحركة الفكرية والإبداعية.

وليس مجرد التسلية والترفيه الذي يقود إلى ما يُحذر منه.

وبعد تجربة زمنية بسيطة وجدت أن الإنترنت يشكل وسيلة تثقيفية عامة لا يصل بالمرء إلى العمق الفكري والثقافي الذي يقدمه الكتاب الورقي.

ولكن هذه التقنية الرهيبة لا يمكن الاستغناء عنها أو إهمالها بحال.