يا عمال العالم ..

يا عمال العالم ..

اتحدوا أو لا تتحدوا ...

تحسين أبو عاصي

– غزة فلسطين –

[email protected]

جاء احترام وإنصاف العامل جزءاً من منظومة أخلاقية كبيرة متشابكة في ديننا الحنيف ، وشكلت حقيقة استطاعت أن تؤثر على مجريات التاريخ عبر العصور ،وغيرت من معطياته ، وحددت معالمه ، كما جاءت لتثبت الانسجام المتكامل بين الكون والحياة من جهة ، وبين الإنسان في سلوكه من جهة أخرى ، وذلك من خلال إتباعه لمنهاج ، وضعه الذي خلق فسوّى والذي قدّر فهدى سبحانه ، هذا الانسجام التام بين المخلوق وناموس الكون ، هو الذي جعل الإنسان في عصر الإسلام ، رائدا في كل شيء لحركة الحياة من حوله ، فكان معلما وأبا وأخا وقائدا، وفاتحا وبانيا وصانعا ، بفعل ذلك الانسجام البديع الجميل ، ولعل من معالم تلك المنظومة الأخلاقية الراقية ،هو ما يتعلق في أوضاع العامل بشقيها الخاصة والعامة ، حيث أمر الإسلام العظيم كأيديولوجية لمنهاج الحياة ، بأوامر أمر بإتباعها ، ووضع زواجرا حذّر من ارتكابها ، وجعل في كل ما أمر عنه ونهى قوانين سارية إلى يوم القيامة ، وجعل المحرك الأعظم الذي يضبط هذه الحركة هو الخوف من الله سبحانه والطمع في رحمته ، فلا سلطان على النفس غير سلطان السماء ، ولا رقيب إلا الله وحده الذي يعلم السرّ وأخفى ، لا خوفا من نقابة العمال ، ولا خوفا من القانون الوضعي ، ولا خوفا من صاحب العمل ، بل الخوف من الذي يراقب ويرى ، ويعلم كل الحركات والسكنات سبحانه لا إله إلا هو ،(ولا تبخسوا الناس أشياءهم)

 والمعلم القائد رسول صلى الله عليه وسلم يقول (أعطوا الأجير أجره, قبل أن يجف عرقه), ويروي البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (قال الله: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامةومن كنت خصمه خصمته، رجل أعطى بي ثم غدر, ورجل باع حرا فأكل ثمنه, ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعطه أجره) من أمسى كالا من عمل يده أمسى مغفورا له) (لأن يأخذ أحدكم حبله, ثم يغدو إلى الجبل فيتحطب, فيبيع فيأكل ويتصدق, خير له من أن يسأل الناس)

(أن الله يحب العبد المؤمن المحترف)

وحث الإسلام على العمل ونهى عن الكسل والتراخي ، لأنها أمة رجالها فرسان في النهار ، رهبان في الليل ، قال صلى الله عليه وسلم:

 (اللهم بارك لأمتي في بكورها )

(ما أكل أحد طعاما قط خير من أن يأكل من عمل يده)

(لأن يحتطب أحدكم خير من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه)

ونظر الرسول إلى يد إنسان تورمت من العمل وقبلها وقال:(هذه يد يحبها الله ورسوله)

. ويقول صلى الله عليه وسلم: ( إن من الذنوب ذنوبا لا يكفرها إلا السعي على الرزق).

 وسأل الرسول عن أحد أصحابه وقد غاب عنه فقال له إخوته: هو يصوم النهار ويقوم الليل فقال الرسول: فمن يطعمه ويكسوه؟ قالوا:كلنا يا رسول الله ... قال (كلكم خير منه)

(إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه)

 وقال صلى الله عليه وسلم: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، ولْيَحُدَّ أحدُكم شفرته؛ فلْيُرِح ذبيحته)

وقال سبحانه :

(وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا ) القصص:   77

جلس الصحابة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في صباح أحد الأيام، فرأوا رجلا قويَّا، يسرع في السير، ساعيًا إلى عمله، فتعجب الصحابة من قوته ونشاطه، وقالوا: يا رسول الله، لو كان هذا في سبيل الله (أي: لكان هذا خيرًا له) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم موضحًا لهم أنواع العمل الطيب: (إن كان خرج يسعى على ولده صغارًا، فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى رياء ومفاخرة فهو في سبيل الشيطان) الطبراني

قال لرجل: (اذهب فاحتطب وِبعْ، ولا أَرَينَّك خمسة عشر يومًا)

فذهب الرجل يحتطب ويبيع، فجاء وقد أصاب عشرة دراهم، فاشترى ببعضها ثوبًا وببعضها طعامًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هذا خير لك من أن تجيء المسألة نُكْتةً (علامة) في وجهك يوم القيامة. إن المسألة لا تصلح إلا

لثلاثة: لذي فقر مدقع (شديد) أو لذي غرم مفظع (دَين شديد) أو لذي دم موجع) أبو داود

(لأن يأخذ أحدكم حبله, ثم يغدو إلى الجبل فيحتطب, فيبيع فيأكل ويتصدق, خير له من أن يسأل الناس)

ما أجمل قانون السماء الذي ينادي عبادة بود الخطاب قائلا :

(( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (97) )) سورة النحل

لقد اتحد عمال العالم سابقا على قول لا إله إلا الله محمد رسول الله ، وفقهوا معانيها فصاروا سادة للأمم ، ونجوما في السماء يهتدي بهم كل ضال وحائر .