أيتها الدمعة
ياسين سليماني
[email protected]
حيّرني حبّك أيا عمر
العمر...أرهقتني الذكريات حين غرقت في بحر من التفكير لأعيد أيامك و أعيشها... أنت
البحر الذي لم يزل منذ الخليقة الأولى عميقا... واسعا.
أيها الفارس الذي
أركبني فرسا من الأمل، فقطعت معه صحاري الحزن والنقص والألم... و أعلاني إلى أن
وطأت القمر، وهممت بأخذ الشمس... لولا أنه ترجّل عن فرسه فجأة وتركني وحيدا قائلا
لي أن أكمل المسيرة وحدي...
لم أكن بعد يا قلبا
خفق طويلا، يا دمعا لم يزل في عيني كثيرا، لم أكن بعد أعرف أن أكون فارسا... اعتمدت
عليك طوال سنوات في أن تُقرِئني حروف السعادة... كنت لا أعرفها، لا أعرف أبجديتها
وغادرت دون أن أتعلّمها... فلمن أشتكي اليوم وفي صدر من أنوح اليوم؟
أيتها الدمعة التّي
مازالت قريبة من عينيّ تسيل كلّما تذكرت ذكرياتي المرهِقة على الورق فداء للحبّ...
فداء للرّوح... وما أجمل الفداء حين يكون لمن أحبّْ.
أيّها الرائع -
والرائعون قليل – يا مسكا أنعش قلوبنا وسط روائح الجيف والرعونة، يا نسمة تنشّقتها
رئتي بعد قرون- تشبه الأزل – من اللظى واللهيب المستعر...
كيف أقول لك الآن أنّك
رائع ولا أسألك عن ذهابك ؟ لماذا ذهبت ؟ لماذا غادرت هذا الكون ؟ لا أبالي بما
يقوله النّاس عن رحيلك، لا أبالي بما يقوله النّاس عن قضاء وقدر أؤمن بهما... وأحزن
لوجودهما في حالتك أنت.
أتعرف يا حبيبي ؟
أتعرف أنّ وجودك الآن أصبح أكبر هاجس لي ؟ إنّي أراك في كلّ مكان... إنّي أخالك معي
في غرفتي، ومصاحبا لي في طريقي من مكان إلى آخر، بل والوحيد الذي يمكن أن يكون معي
عندما أنفرد بنفسي... أنت الذي علّمني تقديس الحياة، أتراني بعدك أستطيع تقديسها ؟
أتراني بعدك أستطيع مجرّد العيش فيها؟ إنّي أعشقك... إنّي ذائب كقطعة سكّر هشّة في
كأس من عسل مصفّى، هو عسل اسمك العظيم وماهيتك الأعظم...
أعود إلى صورك... أرى
عمرا زاهيا قد كان... يا إلهي... إنّي أعيش مع عمر زاه قد كان، كان في الماضي، ولم
يعد اليوم إلاّ تاريخا، وأهتزّ ويزلزلني أن أرى ابتسامة غالية قد انقضى عهدها وأهيل
عليها التراب، ويخالني القريب منّي سلوت عن ذكرك الغالي، ولا يعرف أنّ ذكرك - إن لم
يكن بالصوت ليسمعه – فإنّه يحيى معي في ثوانيَّ ودقائقي وإغماضي جفنيَّ وفتحهما...
أنت ملاك عظيم أبدعه
الخالق العظيم، ولا زلت مؤمنا بحكمة إلهية في جعلك تغادر، ولكن يا إلهي العظيم أنا
ورقة هبّت عليها الرياح فطردتها من وطنها... إلى أين أذهب بعد حبيبي، إلى أين آوي
بعد قلب حبيبي، وماذا أطعم دون شهد حبيبي.
يا حبيبي، وأطيل حرف
النداء طويلا فأقول: يا حبيبي، ما الذي أستطيع فعله معك ؟ إنّي مدمّر كهرم فرعوني
قديم انهالت عليه قنابل عنقودية، أنا أريدك معي، ولا أعرف كيف، أنجدني بالحلّ فقد
أنهكني البحث عنه وأنهكني السفر الطويل في ذلك، ردّّ عليّ، فإنّي أعيش اليوم كقطرة
ماء أخيرة في كوب مهشّم مكسور- ولو بغير رضى منّي – إلاّ على أمل أن ألحق بك، وعسى
أن يكون ذلك قريبا... وعسى أن يكون ذلك قريبا.