من أنا
من أنا؟
تأملات في القراءة والكتابة
ياسين سليماني
[email protected]
من أنا ؟
وماذا أفعل في هذه الدنيا، ثمّ إلى أين أنا متّجه ؟ ليس تساؤلات في الفلسفة التي
أعيش منذ ثلاث سنوات في رحليها، بل أخالني طرحتها قبل نحو واحد وعشرين عاما عندما
خرجت من ظلمة الرحم وضيقه إلى رحابة عالم ثريّ.
و
ربّما أستطيع أن أقول أنّ اكتشاف الذات كان من خلال اكتشاف الورقة والقلم، منذ
اليوم الذي جرّني فيه والدي "العظيم" من ذراعي الصغيرة آخذا إيّاي إلى المدرسة
القريبة، كنت أصغر أعضاء القسم، وكنت رائدهم في الدراسة. معلّمة الابتدائي حين رأت
قصصا صغيرة قالت لي: ستكون إن شاء الله كاتبا كبيرا. ولقد شاء الله أن أكون كاتبا
دون كتاب طيلة عقد.
الكتابة بالنسبة لي لم تكن في يوم ما إلاّ مرادفة لهذا الهواء الذي نتنفّسه ونعيش
به... كنت أكتب لأعيش وكنت أعيش لأكتب، ولا أتصوّر نفسي في يوم ما منقطعا عن هذه
الهبة الربّانية التي أعطاني إيّاها... إنّها لمتعة أن تلعب بالقلم على رمال
الصفحات... هذا القلم مقدّس بالنسبة لي، والورقة لا تقلّ قداسة عنه، كالوضوء
والصلاة، كالمطر وحبّة القمح... وكنت دائما أهتمّ بأخذ دفتر صغير وقلم في جيبي، غير
أنّي في أحيان نادرة أكون مسافرا إلى مكان ما، وأبحث في جيبي عن القلم فلا أجد،
فأكون كمن قُطِعَتْ يداه وقيل له اصنع شيئا، أو رجلاه وقيل له امش.
الورقة
والقلم حبيبان، منذ أن فتحت عيني على هذا الوجود ومنذ أن كنت طفلا صغيرا كانت هناك
مكتبة كبيرة تملأ كتبها المكان، كنت في صغري منبهرا بأبي الذي يقرأ كثيرا... كان
يقول لي لا معنى لحياة الإنسان دون قراءة، وتمنيت أن ألتهم كلّ تلك الكتب كما
التهمها هو، وبعد سنوات من ذلك الوقت أجد نفسي قد قرأت تآليف مئات بل آلاف من البشر
من العالم، الكتاب يدفعني لقراءة كتاب ثان، أصبحت "مغرم كتب" فارتدت الكثير من
المكتبات باحثا عن الجديد، كلّ المدن التي زرتها كنت أزور كلّ مكتبة فيها، خاصّة أو
عامّة دون أن أجد في نفسي إلا رغبة أكثر في القراءة.
في
الحقيقة أنا أنانيّ فمهما يكون الشخص الذي يقف أمامي فلا أقبل أن أعطيه كتابا لم
أقرأه، كما أنّي أنانيّ أكثر حين لا أترك كتابا عند غيري إلاّ وأخذته وقرأته...
وكثيرا ما استلفه أيّاما وصاحبه ينتظر.
يقال
"غبيّ من يعير كتابا والأغبى من يعيده " ولكنّي كنت أعير، ربّما لست أنانيّا إذن،
إلاّ أنّي لم أكن أعطي إلاّ ما قرأت، أمّا ما دون ذلك فلا... لا أقبل أن يُقرَأ
كتاب لي دون أن أقرأه أنا أوّلا .
الحياة
دون كتاب، دون كتابة، لا أدري كيف تكون إلاّ شوكا و حنظلا وصديدا...
الحياة
بالكتاب... حتى و إن كانت صعبة إلاّ أنّ فيها دائما ما هو رائع... يجعلنا نصبر...
يجعلنا نتمنّى... يجعلنا ننظر إلى المستقبل بعين كلّها أمل.