طفولة
طفولة…
جميل السلحوت
[email protected]
مع
انني قليل الاختلاط بالناس،نظرا لطبيعة عملي في الارض،مصحوبا بابتعاد الغالبية عن
هكذا اعمال،الا انني اجد نفسي احيانا امام ظواهر تعذبني دون ان يدري بي احد…ففي
الاسبوع الماضي واثناء ذهابي لعيادة الطبيب في القدس الشريف لاعالج جهازي الهضمي
المتقرح،مررت وحماري اكثر من مرة بأطفال من اعمار مختلفة لا يصل اكبرهم سن الثانية
عشرة،وهم يقفون عند اشارات المرور يبيعون اشياء رخيصة الثمن،وهي بمثابة ترخيص
للتسول المشروع تحت يافطة البيع والشراء،وهم عدا عن كونهم لا يذهبون الى المدارس
فانهم يعرضون انفسهم لحوادث السير،ويتعرضون للاختلاط بأناس مختلفي المشارب،فحزنت
لطفولتهم الضائعة ولمستقبلهم الاكثر ضياعا،وتذكرت انني لم اشغل ابا صابر بأي عمل
عندما كان جحشا لادراكي بأن "الجحوش" لا تقوى على العمل،فعدت الى بيتي وقد ازدادت
آلامي ولومي لنفسي لهذه المقارنة السخيفة.
واثناء عودتي الى البيت مررت بأطفال يلعبون في المزابل،في حين كان جزء منهم يبحث عن
اشياء ومنها بعض المواد الغذائية في حاويات القمامة،ولا احد يسأل عن هؤلاء الاطفال،ولم
اعرف ان كان لهؤلاء الاطفال والدان أم لا؟ وان كان لهم اولياء امور فأين هم؟؟أم ان
فاقد الشيء لا يعطيه.
وفي
الطريق ايضا شاهدت والدة في عز الظهيرة تنهال على ابنها ضربا،وصراخه يملأ
الحارة،وعندما طلبت منها ان ترحم طفولته؛ اجابت بأنه ابنها،وفهمت من ذلك ان كونها
والدته فهذا يعني رخصة لها بممارسة تعذيب ابنها.
وواصلت المسير فمررت بقرب مدرسة،وكان صياح طفل ينبعث من احد الصفوف،وسيل من الشتائم
ينبعث من فم معلم فاضل.ولم اعلم سببا لذلك تماما كعدم علمي لمدى صلاحية ومفهوم
المعلم لعقاب التلميذ لأي سبب كان.
ومررت بمقبرة فلفت انتباهي قبر طفل شهيد لم يتجاوز الخامسة من عمره، وعجبت كيف
يستشهد الاطفال فتذكرت شاعرنا الكبير الذي قال:"نحن ادرى بالشياطين التي
تخلق من طفل نبيا" وتذكرت قوله ساخرا:"مرحى لسفاح الطفولة" وترحمت على شاعرنا
الراحل توفيق زياد عندما قال "واعطي نصف عمري لمن يجعل طفلا باكيا يضحك" وضحكت من
بؤس عمري لأنني لم اشاهد من يمسح دمعة طفل".
فنهرت ابا صابر وعدت الى بيتي، ولم تنفع الادوية بتهدئة آلامي.وفي المساء كانت هناك
ندوة في التلفاز تتحدث عن حقوق الطفل،وكيفية تربيته تربية صحيحة،فتذكرت ما شاهدت في
يومي التعيس، وخرجت بنتيجة مفادها ان طفلنا الفلسطيني مستثنى من حقوق الطفل التي
نتحدث عنها وسائل الاعلام بشكل موسمي.
ليلة القبض على حمار ابي شريفة…
يبدو ان المحتلين لم يكتفوا بسياسة التطهير العرقي ونهب الارض العربية والاستيطان
الجنوني في القدس العربية المحتلة، بل تعدوا ذلك الى الحمير ايضا،وهذا ما حصل مع
حمار المواطن محمد علي سالم درجة المكني "بابي شريفة" وهو رجل عجوز خائر القوى من
السواحرة الغربية قرب القدس، ويقتني حمارا يتنقل على ظهره، ويساعده في رعي اغنامه
التي يعتاش من خيراتها،وقصة حمار ابي شريفة قصة لم تدخل وسائل الاعلام، ولم يهتم
بها احد.وملخصها ان ابا شريفة هذا كان يركب حماره في احدى شوارع قريته، وتصادف ان
مرت دورية شرطة احتلالية من نفس الشارع في الوقت الذي رفع فيه الحمار ذنبه وتبرز في
الشارع.فما كان من الدورية الا ان توقفت، وحررت مخالفة لصاحب الحمار ابي شريفة
بقيمة مائة وثلاثين شاقلا دفعها يشكل مأساة اقتصادية لرجل عجوز لا دخل له ، ولا
اعلم ان كان روث الحمار في قرية عربية يشكل قنبلة موقوته تهدد امن المحتلين ، تماما
مثلما لا اعلم ان كانت هناك قوانين خاصة بالحمير تحدد الاماكن المسموح بها للحمير
بالتبول والتبرز.ام ان قضاء الحمار لحاجته في الشارع العام يشكل خرقا للاخلاق
العامة ،مع انه يقوم بامر غريزي لا ارادة له فيه ، في حين ان الانسان يعمل الموبقات
السبعة في الشارع ووراء الابواب المغلقة ،ولا يعتبر ذلك خرقا للاخلاق العامة.
ويبدو ان حمار ابي شريفة أسوأ حظا من حماري،عندما وقع هذه الوقعة،غير انه كما يقول
مثلنا الشعبي بأن "ابن الحزينة يعلم اولاد الجيران"فقد اتخذت الحيطة لتعليمه
الاخلاق"الانسانية"
في
طريقة قضائه لحاجته،وبما "ان الحاجة أمّ الاختراع" فانني ابحث الان عن مدرسة لتعليم
حماري "الحمرنة الانسانية "على غرار "مدرسة الكلبنة" التي تحدثنا عنها في الايام
القليلة الماضية ، ولا اعلم ان كانت هناك مدارس كهذه أم لا ،وان وجدت فما هي
تكلفتها خصوصا وان ثمن حمار ابي شريفة اقل من قيمة المخالفة التي ابتلي صاحبه
بها،مع ان القيمة الخدماتية والمعنوية للحمار المذكور تساوي اضعاف ذلك،ولوفكر صاحبه
ببيعه لوقع رهين المحبسين "حبس الشيخوخة" و "حبس بيته".
الخريّ خريّ
استمرار لطموحاتي بأن اصبح شخصية مهمة وان أتبوأ منصبا ذا شأن، فقد قررت ان اسلك
طريقا آمل ان لا يكتشفه أحد أو يعمل به أحد، وهو ان اشتري شهادة عليا كشهداة
الاستاذية " الدكتوراة " في واحد من العلوم الانسانية من احد المكاتب التي تتاجر
بالشهادات مثلما تتاجر بمقدرات هذا الشعب ..... وانا اركز على شهادة الاستاذية كي
اكون مسؤولا عن حملة الشهادات الجامعية الاولى مثل البكالوريوس أو الماجستيرـ
وسأجلس مع الأساتذة الكبار جلسة الند مع الند ، واذا ما بدأت التنظير في موضوع ما،
فبالتأكيد سأحظى باحترام عامة الناس عندما يتقدم اسمي لقب " دكتور " وان كنت من باب
التواضع سأضع امام اسمي ( د. )
غير
ان الذي يشغل بالي هو في أي المواضيع ستكون شهادتي المشتراة ... فزوجتي وابنائي
يريدونني أستاذا في أحد المواد العلمية كالرياضيات أو الكيمياء أو الفيزياء ، لكنني
اخاف أن يكتشف أحد الخبثاء جهلي في هذه المواضيع، فحسمت امري بقراري شراء شهادة
قانون أو فلسفة ،فهي تناسب شخصيتي خصوصا وأنني مسحوب من لساني ، وعندما سأبدأ
الحديث فمهما خلطت الحابل بالنابل فلن يكتشف أحد الخبثاء أمري ، واذا ما اكتشف
فأنني سأجد مخرجا آمنا للهروب، ويشجعني في ذلك أمّي اطال الله عمرها فهي تعتبرني
افصح ابنائها وهذه شهادة اعتز بها ، غير ان حماري الخبيث عندما علم بمرادي قال لي
سأحدثك حكاية ارجو ان تفكر بها ... فقلت له هات مما عندك يا حمار النحس فقال : عند
تشكيل بلدية القدس في بداية العشرينات من هذا القرن قام مسؤول شرطة البلدية بتشغيل
أحد اقاربه البسطاء غير المؤهلين في الشرطة ، وكان هذا القريب لا يقوى على تنظيم
الحركة في السوق ولا يجرؤ على طرد بعض الباعة المتجولين الذين يعيقون حركة المارة
على الرصيف !!! وعندما سأله قريبه المسؤول عن ذلك ... تذرع بحجة أن الناس لا
يحترمونه كونه لا يلبس الزي الرسمي الخاص بشرطة البلدية !! فأحضر له قريبه المسؤول
لباس شرطة البلدية الخاص وسلحه بعصا ليهش بها على المخالفين .... غير أن حاله لم
يتبدل ولما رآه قريبه المسؤول فال له : الخريّ خريّ مكسي او عري ) ولم اعلم ان كان
حمار النحس يقصدني بحكايته أم لا !!!!
واحة الديموقراطية
مرات كثيرة احاول فيها تقليد المثقفين واشباههم فأبدي اعجابي الشديد بـ (
الديمقراطية ) الاسرائيلية وبسيادة القانون في اسرائيل ، وبحفاظ الدولة العبرية على
حقوق الانسان ، وحرية العبادة لاتباع الديانات السماوية ، وحفاظها على الاماكن
المقدسة لليهود وغيرهم ، كما انني معجب بحفاظهم على نقاء البيئة والنظافة ، وحب
الطبيعة ، والتقدم العلمي والتكنولوجي ، والانسانية الزائدة التي ترعى كلبا ضالا او
عصفورا او حشرة نادرة ... وغير ذلك من الامور التي لا املك الا ان ارفع قبعتي لو
كان لي قبعة احتراما لها ، واسهب في الحديث امام الاميين واشباهم من حملة الشهادات
... وانا ارى في شخصي الكريم اثناء هذه الاحاديث بأنني اصبحت شخصية متميزة خصوصا
عندما يوافقني بعض الحضور عن علم او جهل منهم فكلا الأمرين سيان ، فالنتيجة واحدة
الا ان حماري وبفهمه – الحميري – لا يتركني وشأني فانه في بعض الاحيان ينكد على
ويقطع حبل افكاري ، وهذا ما فعله بالأمس عندما نهق نهيقا غاضبا نسف فيه كل افكاري
وثقافتي الآدمية عندما سألني عدة اسئلة لم ـجد لها جوابا ، وهي : كيف تفسر الحفريات
الاسرائيلية تحت المسجد الاقصى والتي تمهد الطريق لهدمه ؟؟ وكيف تفسر جرف ونبش مئات
مقابر المسلمين بما فيها مقبرة مأمن الله – ماميلا – في القدس والتي يرقد فيها رفات
الصحابة رضوان الله عليهم الذي شاركوا في فتح بيت المقدس ؟؟ وكيف تفسر هدم مئات
القرى العربية الفلسطينية بمساجدها وكنائسها ..؟؟ وكيف تفسر منع المؤمنين بالله
مسلمين ومسيحين من الوصول الى القدس لآداء شعائرهم الدينية في اقدس مقدساتهم ..؟؟
وكيف تفسر سلبهم للاراضي المحتلة وهدمهم للبيوت .. ؟؟ وكيف يحافظون على البيئة وهم
يستعملون الاراضي الفلسطينية مكبا لنفاياتهم ..؟؟ وكيف يقتلون الاطفال والنساء
والشيوخ ..؟؟؟وكيف يفرقون بين الازواج وبين الاباء والابناء ..؟؟ وكيف ... وكيف ...
و كيف ؟؟ فلم اجد جوابا لحماري سوى اتهامه باللاسامية ومعاداة المسيرة السلمية.
رفقا
بالحمير
وضمن مخططاتي التي ارمي من ورائها ان اصبح شخصية مهمة تكتب الصحافة تصريحاتي
وانتقاداتي الرنانة ، وتجري محطات التلفاز المقابلات معي ، فقد قررت ان اشكل جمعية
للرفق بالحيوان ،تخصص فرعي للحمير على غرار حيزبون باريس – بريجيت باردو – التي
تهاجم الاسلام والمسلمين لذبحهم الاضاحي في عيد الاضحى لانها متخصصة في الرفق
بالحيون بعد ان كانت متخصصة بالاغراء والاغواء على شاشات السينما .
وقد
احكمت خطواتي للسيطرة على جمعية الرفق بالحمير العتيدة بحيث اصبح امبراطورها
الوحيد، على غرار جمعيات حقوق الانسان العاملة في وطننا المنكوب ، والتي تنفق
الملايين من دولارات الدول المانحة ومن مخصصات شعبنا المغلوب على امره ... وسأقبل
كل شروط المانحين بما فيها مهاجمة شعبي وسلطته الوطنية اذا ما رأيت مسّا بكرامة
الحمير او بحقوقها الطبيعية في العيش الكريم ... اما اذا ما رأيت حمارا – او انسانا
يتعرض لأي اهانة من عساكر الاحتلال فلن اتكلم عن ذلك لا تلميحا ولا تصريحا خوفا من
قطع الدعم الذي سأثرى من ورائه ... اما انتهاك حقوق الحمير في اسرائيل فهذا ليس من
شأني لان اسرائيل تبقى واحة الديمقراطية في الشرق الاوسط حسب اعلام العالم الحر ،
بالرغم من انها تمارس الارهاب الرسمي باستمرار احتلالها لوطني ولغيره من الاراضي
العربية المحتلة الاخرى ، مرورا بتدنيسها المقدسات وانتهاء بقتلها لابناء شعبي حسب
القانون ، وبالتأكيد فان احدا لن يعلم بمعاملتي اللاانسانية لحماري ما دمت ارفع
شعار الرفق بالحمي،ر وهذه سابقة لم يسبقني اليها احد من شعبي او من ابناء امتي حسب
علمي المتواضع.