قانون السلام
خواطر من الكون المجاور
ز. سانا
بسبب عدم إقتناع بعض القراء رغم كل ما ذكرته في الخواطر السابقة عن أهمية عاطفة السلام في بناء مجتمع صالح وأنها اليوم هي السلاح الوحيد الذي له القوة في إنقاذ إﻹنسانية من تلك الساحة الوحشية التي سقطت فيها، وأن إستخدام العنف بشتى أشكاله في عصرنا الحاضر لن يحل أي مشكلة وأنه على عكس ذلك سيؤجج نيران العنف أكثر فأكثر، ولأن هذه المشكلة -مشكلة العنف- هي أكبر مشكلة يعاني منها المجتمع العربي والمجتمعات العالمية لذلك أعود إلى الموضوع نفسه -موضوع السلام - ﻷكتب عنه ثانية فلعله يساعد في إقناع أكبر ما يمكن من أولئك الذين يظنون أنه في بعض الحالات لابد من إستخدام المقاومة المسلحة وأنها هي الطريقة الوحيدة لحل المشكلة.
في هذه المقالة إخترت تعليقا نشر في صفحة خاصة ﻷحد القراء وأعتقد أنه أيضا يعبر عن رأي معظم اولئك الذين يعارضون ما أكتبه في مقالاتي عن السلام والعنف ، وسأحاول أن أشرح كل سوء فهم حدث في هذا التعليق.في بداية التعليق يصف مقالتي بأنها (بحث شخصي بحت ووجهة نظر خاصة بكاتبها.... من زاوية واحدة) هنا أود أن أعلم صاحب التعليق بأن مبدأ عين الروح "الرؤية الروحية " هو عدم الحكم على أي شيء أو أي حدث قبل أن تتم دراسته من جميع زواياه (فيزيائية. ...طبيعية....تاريخية. .فلسفية..دينية... الخ ) بهدف الوصول إلى حقيقة هذا الشيء الذي يحدد بدقة سبب وجوده وبالتالي فهم دوره في التطور ليأخذ مكانه الصحيح في المخطط اﻹلهي، ولقد أشار الله عز وجل عن هذه الرؤية في سورة يوسف اﻵية 67 (وقال يابني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة) والمقصود هنا أنه لمعرفة من هو يوسف في تاريخ مصر القديمة يجب أن ندخل من ابواب عديدة مختلفة والمقصود هنا من اﻷبواب هي العلوم فكل باب هو علم كذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم أشار إلى هذه الفكرة في حديثه الشريف ( أطلبوا العلم ولو بالصين) والمقصود هنا أن لا نستبعد إي علم من العلوم ﻷن جميعها تساهم في رؤية الشيء من جميع زواياه لنصل إلى الحقيقة،. لذلك فإن مبدأ عين الروح يبحث في اﻷشياء- كما ذكرت في السابق - بسرعة مشية السلحفاة وينشر أبحاثه بسرعة السلحفاة ﻷنه يعلم تماما أن كل فكرة تخرج من عقل إنسان ستدخل فكر إنسان آخر وتأثر على سلوكه سواء كان تأثيرا سلبيا أو إيجابيا ،فالمجتمع اﻹنساني ليس إلا عبارة عن مجموعة من الأفكار ونوعية هذه اﻷفكار هي التي ستحدد أيضا نوعية البيئة الروحية التي سيعيش فيها اﻷطفال الذين هم مستقبل المجتمع وسعادته وهذه لا تأتي إلا عن طريق الرؤية الشاملة.
أكبر مشكلة يعاني منها منهج العصر الحديث في البحث هو الرؤية المادية السطحية التي تبحث في الشيء من زاوية واحدة هذه الرؤية الفقيرة هي التي أدت إلى تحطيم الروابط بين اﻷشياء واﻷحداث لذلك ساد قانون الفوضى والعشوائية في جميع النشاطات الفكرية. ...إذا تمعنا مثلا في تاريخ مصر القديمة كما هو مذكور في صفحات الكتب التاريخية والمدرسية نرى أن تطور أحداثه عشوائي لا يظهر فيها أي معنى أو حكمة معينة تبرر ذهاب إبراهيم أو يوسف عليهما الصلاة والسلام إلى مصر ،ولا سبب ولادة موسى عليه الصلاة والسلام وحدوث خروج قومه من مصر ، وكأن بلاد مصر المذكورة في كتب التاريخ غير مصر المذكورة في الكتب المقدسة ، لذلك نرى أن كتب التاريخ لا تذكر شيئا عن هؤلاء اﻷنبياء، والشيء نفسه يحدث في الكتب التي تتحدث عن تطور الكون أو الحياة أواﻹنسان ، وكأن القوانين الطبيعية التي أثرت على تطور الكائنات الحية مختلفة نهائيا عن تللك القوانين المذكورة في الكتب المقدسة والتي أثرت على تطور اﻹنسان والمجتمعات اﻹنسانية وكأن كل علم من هذه العلوم له إله خاص به خلق قوانينه بشكل مختلف عن قوانين اﻹله الآخر ، كل مادة دراسية لها إله مختلف يتبع قوانين مختلفة...حتى شرح الديانات السماوية لطلاب المدارس يبدو وكأن اﻹله المذكور في التوراة غير اﻹله المذكور في اﻹنجيل وغير المذكور في القرآن وكأن كل دين ليس له علاقة بالدين الذي سبقه ،حتى قصص اﻷنبياء في الديانة الواحدة نراها قصص عشوائية تسلسلها بدون معنى وكأنها حدثت بالصدفة دون هدف لذلك لا يذكرها أي علم في أبحاثه ونظرياته. ...عشوائية وإنفصال تام في جميع العلوم كافية ﻷن تجعل الطالب منذ بدء تكوين فكره بعدم اﻹحساس بوجود قوة واحدة تسيطر على الكون بأكمله ولكن قوى مختلفة عشوائية تدفع كل شيء إلى جهة مختلفة ومعنى مختلف .
في التعليق يرفض اﻷخ فكرة السلام المطلق وأنه في بعض الحالات يجب اللجوء إلى حمل السلاح فيقول (فالنبي واﻷنبياء صلوات الله عليهم حاربو...) هنا بدل أن يكمل العبارة بكلمة - السلام -كما وجب أن تكون العبارة (عليهم الصلاة والسلام ) نراه كتب كلمة معاكسة لها تماما - حاربوا- قد يقول البعض بأنها مشكلة بسيطة حدثت بسبب النسيان وجل من لا ينسى، الموضوع هنا موضوع نسيان أو حدث بالصدفة للذي يرى اﻷشياء برؤية مادية سطحية ولكن الرؤية الروحية لا شيء مهما كان بسيطا يمكن له أن يحدث بالصدفة ولكن دوما له معنى، وسبب عدم وضع كلمة (السلام) في التعليق هو تعبير روحي يحمل معنى أن صاحب التعليق لديه فكرة خاطئة عن صفات اﻷنبياء لذلك فروح صاحب التعليق نفسها هي التي جعلته ينسى ذكر كلمة (سلام ) لتحذر صاحب التعليق نفسه وكذلك اﻵخرين ليعلموا أن ثقافة صاحب التعليق عن اﻷنبياء غير صحيحة وبحاجة إلى تصحيح، هكذا خلق الله روح اﻹنسان تعمل بشكل لا تترك شيئا يحدث عبثا ولكن ضمن سلوك معين يكشف أسرار ما يحدث في العقل الباطني للإنسان. في التعليق يذكر صديقنا بأن الرسول والانبياء عليهم الصلاة والسلام بأنهم (حاربوا وتسربلت أيديهم وأجسادهم بالدم..)هذه الفكرة ليست فقط غير صحيحة نهائيا ولكن فيها أيضا تناقض كامل في صفات اﻷنبياء، فكما يبدو من العبارة بأن اﻷنبياء قتلوا وتلطخت أيديهم وأجسادهم من كثرة سفك الدماء سواء كان دمهم أو دماء اﻵخرين ..وهذا غير صحيح فجميع ااﻷنبياء كانت روحهم خالية من غريزة القتل ولذلك إختارهم الله ليكونوا أنبيائه... صفة حب السلام هي من أهم صفات اﻷنبياء ولكن بسبب الثقافة السطحية التي تعاني منها علوم العصر الحديث لم يستطع المنهج العلمي الحديث من توحيد القوانين ليفهم الطالب علميا سبب وضع عبارة -عليه الصلاة والسلام -بعد ذكر أي نبي، والسبب هو أن النبي له دور في تطوير روح اﻹنسانية وتأمين حاجاتها الروحية لذلك فهو يرى ما حوله برؤية روحية ترى روح اﻷشياء وهذه الرؤية في قانون الخلق رمزها الثديات العاشبة والتي ترى كل عين فيها صورة مختلفة عن العين اﻷخرى ثم يتم بها توحيد الصورتين لتحصل على المعنى الروحي لما تراه، لذلك كانت هذه الكائنات الحية كائنات عاشبة مسالمة روحها خالية من غريزة القتل، ولكن بما أننا لا نعيش في الجنة ولكن خارج الجنة لذلك هناك قوة أخرى سلبية ( روح السوء العالمية ) التي تحاول تشويه القوانين لذلك يحدث هنا نوع من الشذوذ ولكن حتى الشذوذ هنا لايحصل بشكل عشوائي ولكن ضمن سيطرة المخطط اﻹلهي، لذلك نجد أن الشذوذ في قانون الأنبياء دفع نسبة ضئيلة من اﻷنبياء إلى حمل السلاح مثل النبي يشوع بن نون والنبي داوود عليهما الصلاة والسلام ولكن كلاهما لم يكونا من الرسل الذين يحملون رسالة جديدة أو دين جديد، لذلك نجد أن يشوع بن نون كان مساعد موسى عليهما الصلاة والسلام وإستلم قيادة الشعب اليهودي بعد وفاة موسى. ..وكذلك نجد أن التوراة تذكر أن الله عز وجل حرم على داوود بناء الهيكل(بيت الله لليهود) والسبب أن يد داوود كانت ملطخة بالدماء ،وأمره الله بترك أمر بناء المعبد لإبنه سليمان عليه الصلاة والسلام ليقوم بهذه المهمة ﻷن معنى إسم سليمان في العبرية (المحب للسلام ) ويداه كانت بريئة من دم إي إنسان ( الدين اليهودي لا يعتبر داوود نبيا ولكن ملكا إختاره الله ليحكم الشعب اﻹسرائيلي وينقذه من المشاكل التي كان يعيشها )
أما بقية اﻷنبياء وخاصة المقصود بهم بأولو العزم (نوح...إبراهيم. .موسى. .عيسى. .محمد..)عليهم الصلاة والسلام الذين حملوا رسالة جديدة حيث أدى ظهورهم إلى تحويل هام في التطور الروحي للإنسانية فجميعهم كانوا مسالمين وأيديهم بريئة من دم أي إنسان...ومن المعروف أن رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم رفض حمل السلاح رغم مطالبة بعض المسلمين بضرورة إستخدام السلاح لحماية أنفسهم ولكن الرسول أصر على رفض حمل السلاح وأمرهم بالصبر ، لهذه الصفة إختاره الله عز وجل ليكون نبي ورسول اﻷمة اﻹسلامية ﻷنه مسالم وروحه خالية من غريزة القتل، لذلك لم يقبل بتأسيس جيش إلا عندما نزل اﻷمر من الله عز وجل ورغم ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم لم يشارك بالقتال و لا يوجد حادثة تذكر أن رسول الله قد قتل.
الله عز وجل ترك معجزة تكشف أهمية عاطفة حب السلام في تعاليم الدين اﻹسلامي حيث نجد أن أسماء الرسول( محمد-أحمد) يغيب من أسماء قادة الفاتحين الذين حملوا السلاح لحماية اﻹسلام من جيوش الأمبراطوريات المجاورة ونجد شذوذا واحدا عن هذا القانون وهو إسم فاتح بلاد السند (محمد بن قاسم الثقفي) ولكن ضمن هذا الشذوذ يحمل معنى يساعد في فهم دور وصفات محمد الفاتح الذي له قصة مختلفة عن قادة الفتح وتحتاج إلى شرح طويل. ..بينما نجد أن نسبة ظهور إسم محمد أو أحمد تعادل تقريبا42%من أسماء علماء الحضارة اﻹسلامية الذين كان سلاحهم القلم والعلم في كافة العلوم وخاصة منها العلوم الروحية والذين ساهموا في إزدهار الحضارة اﻹسلامية، وهذا لم يحدث صدفة ﻷن منطق تفكير المسلمين في عصر إزدهار الحضارة اﻹسلامية كان فيه نور الله لذلك كانت روح المسلم ترى المنطقة الذهبية في في سور القرآن واﻵحاديث الشريفة ،مثلا كان علماء الدين في ذلك الوقت يتحدثون كثيرا عن الحديث الشريف الذي يذكر ( حبر العالم أفضل عند الله من دم الشهيد) أو بلفظ آخر " وإن مداد العلماء في الميزان أثقل من دم الشهداء وأكثر ثواباً يوم القيامة " بينما نجد اليوم و بدلا من ذكر هذا الحديث الشريف الكثيرون يذكرون تلك اﻵيات التي تحرض على القتال.
للأسف الرؤية المادية لا تستطيع مشاهدة هذه المعجزة-معجزة اﻷسماء- لذلك لم يتكلم عنها فلاسفة وعلماء التاريخ والدين في العصر الحديث ليعلم المسلمون أن هدف تعاليم الدين اﻹسلامي هو الوصول إلى إنسان مسالم مشابه في صفاته لصفات الرسول نبي اﻹسلام وليس صفات أولئك الذين حملوا السلاح فهؤلاء كانوا يقومون بواجبهم في عصر كانت ظروفه مختلفة نهائيا عن العصر الحالي، فظروف المعارك والحروب تغيرت تغييرا جذريا وأشكال اﻷسلحة أيضا تغيرت ولم تعد تلك اﻷسلحة التي تقتل الشخص المعين، فأسلحة اليوم أسلحة مدمرة شاملة عمياء تصيب اﻷبرياء أكثر من الأشخاص المقصودين، في العصور القديمة كان الجيشان المتقاتلان يلتقيان في أماكن بعيدة عن تواجد اﻷطفال والنساء وكانت ضحاياه بشكل عام الجنود المشاركين في المعارك أما اﻵن فالمعارك قد تحولت إلى حرب شوارع أمام أعين اﻷطفال صواريخ وقذائف وقنابل تنفجر أمام الطفل أو على مقربة منه تدمر بيته وتقتل أحب الناس إليه وكثيرا من اﻹحيان تصيبه فتبقى آثارها عليه إلى اﻷبد . لذلك هذه النوع من الحروب يعتبر أخبث أنواع الحروب ﻷنها تقضي على براءة الأطفال وتجعلهم يشعرون بأنهم في عالم وحشي لذلك يجب عليهم تنمية غرائز الدفاع عن النفس هذا اﻹحساس يكفي ان يحول الطفل من مخلوق فيه روح الله إلى مخلوق حيواني تسيطر على سلوكه غريزة القتل.
هذا النوع من المعارك والحروب أيضا تفتح باب عمل روح الشيطان على مصرعيه، فبفضل التكنولوجيا يستطيع أي طرف من اﻷطراف المتحاربة أن يقوم بمجزرة يقشعر لها الرأي العالمي ويتهم فيها الطرف الآخر ومهما حاول الطرف اﻵخر أن يثبت براءته ستبقى الحقيقة مجهولة. فبفضل التكنولوجيا يمكن ﻷي طرف أن يصنع صور ومقاطع فيديو يظهر فيها ان الطرف اﻵخر هو مسبب المجذرة وسيبقى أتباع كل طرف يصدق قادة الطرف الذي ينتمي إليهم مهما قدم الطرف اﻵخر من إثباتات. وهذا هو المعنى الحقيقي للفتنة، لذلك الحروب ومعارك العصر الحديث تعتبر من أكثر الظروف الملائمة لنشر الفتن بين الطوائف واﻷديان والشعوب، لتجعلها على خلافات مستمرة ليزداد إنتشار صفات الروح الشيطانية في نفوس الناس وخاصة اﻷطفال (بغض...عداوة.. كره..حقد.إنتقام) ، الرسول صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف يقول: إذا جاءت الفتنة إكسروا سيفكم وإقطعوا أوتاركم وإلزموا فيها أجواف بيوتكم وكونوا فيها كالخير من إبني آدم.....والمقصود هنا ان يكون المسلم مثل هابيل.
اليوم جميع أنواع الحروب والمعارك ليست إلا عبارة عن شرارة بإمكانها إشعال الفتن بمختلف أشكالها فاليوم لا يوجد منطقة في العالم إلا وسكانها ينتمون إلى عدة قوميات وعدة أديان ومن السهل جدا إشعال نار الفتنة بين هذه الطوائف المختالفة ﻷتفه اﻷسباب ليذهب ضحيتها عشرات أو مئات أو آلاف اﻷبرياء.
ما يجب أن يفهمه المسلم من تعاليم دينه الحنيف أنه يوجد تطابق كامل بين قوانين القرآن الكريم وقوانين الطبيعة في تطور الحياة. فتطور الحياة في الكائنات الحية يتجه من البسيط إلى المركب ومن القبيح إلى الجميل ومن الوحشي المفترس إلى اﻷليف المسالم ، ولكن حتى نرى هذا التطابق في القوانين يجب أن نقرأ الكتب المقدسة برؤية روحية وليس برؤية مادية سطحية لذلك نقرأ في اﻵية 7من سورة عمران : (هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله ) اﻵيات الموصوفة بـ " أم الكتاب" هي المناطق الذهبية التي من خلالها نجد تطابق كامل في كل قوانين الكون والتي نشعر من خلالها أن الكون وكل ناحية من نواحيه منذ ولادته و حتى اﻵن يسير ضمن مخطط واحد وهو الوصول إلى السلام المطلق كما عبر عنه الله عز وجل في اﻵية 28 من سورة المائدة : (لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين) على لسان إبن آدم هابيل الذي قبل الله قربانه ليكون أول إنسان يعبر عن اﻹنسان الكامل . وليس في من الصدفة أن في بداية هذه السورة في اﻵية 3 تذكر ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم اﻹسلام دينا) المعنى الحقيقي لكلمة "اﻹسلام " هو فرض حب السلام على المؤمنين، عاطفة السلام هي أهم صفة من صفات الإنسان الكامل، لذلك نرى أيضا أن كتاب التكوين من التوراة يبدأ بخلق آدم وجريمة قتل قايين (قابيل) ﻷخيه هابيل وينتهي هذا الكتاب بقصة يوسف عليه الصلاة والسلام، والذي بدلا من أن ينتقم من إخوته الذين رموه في الجب وباعوه إلى التجار ليصبح عبدا في مصر نجده سامحهم وساعدهم،من يبحث عن تفسير معاني إسم يوسف يجد أنه يحمل معنى رجل السلام، والمقصود هنا هو أن نهاية التكوين ( نهاية التطور الروحي لﻹنسان) هو أن يكون إنسانا مسالم خالي من غريزة القتل. لذلك نرى أن رسول الله في حديثه الشريف يقول : ( الله يرسل مرشد كل مائة عام ليجدد الدين ) وأحد أهم أنواع التجديد هو تحويل معنى الجهاد من معنى مادي يقوم على حمل السلاح والقتل إلى معنى روحي يقوم على إستخدام القلم والطرق السلمية لحماية المجتمع و المؤمنين من الفتن و الفسق والشهوات، وقد أشار الرسول على ضرورة هذا التجديد في حديثه الشريف الذي ذكرناه في اﻷعلى (حبر العالم أفضل عند الله من دم الشهيد ).
لماذا الكتب المدرسية الدينية أو البرامج الدينية في المدارس و الصحف والمجلات وجميع وسائل اﻹعلام لا تفسر اﻵيات القرآنية إعتمادا على طبيعة صفات الرسول ؟ هذا السؤال يجب أن يشغل فكر كل إنسان مهما كان مستوى ثقافته، والجواب الوحيد الذي يمكن أن نجده لحل هذا السؤال هو جهل الثقافة الحديثة وفقرها روحيا عند كبار مفكرين العصر الحديث والذين هم أنفسهم يقودون اﻹنسانية إلى طريق مسدود فوصلت اﻵن إلى اسفل السافلين حيث ظهرت وﻷول مرة في تاريخ البشرية ظاهرة الطفل المجرم.
قبل سنوات قليلة وبعد حادثة إرهابية قامت بها منظمة إسلامية متطرفة أدت إلى مقتل عدد من اﻷبرياء في أوربا عرضت إحدى الجرائد اﻷوروبية رسمات كاريكاتورية تسيء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بغرض الاستهزاء بدين هؤلاء اﻹرهابيين، فقامت مظاهرات في جميع الدول اﻹسلامية إحتجاجا على تلك الرسمات التي أساءت إلى نبي اﻹسلام صلى الله عليه وسلم، في إحدى هذه المظاهرات في تركيا حدث أن مرت المظاهرة بالقرب من كنيسة فدخلها بعض المتظاهرين وراحوا يحطمون كل شيء في داخلها وعندما خرج عليهم قسيس الكنيسة متوسلا إليهم بالتوقف عن تخريب مقدساتها إنهالوا عليه ضربا ولم يتوقفوا حتى فارقت روحه جسده ومات. ...ماذنب هذا المسكين الذي يعيش بعيدا آلاف الكيلومترات عن تلك الدولة اﻷوروبية التي إحدى صحف جرائدها أساءت لرسول الله ليدفع هو ثمن غضب المتظاهرين لا أدري ولكن كل الذي أعلمه هو أن جميع وسائل اﻹعلام اﻷوروبية و العالمية بدلا من أن تتابع كتابة رأيها ضد ذلك الرسام الصحفي الذي أساء إلى نبي المسلمين وطالبت بضرورة إحترام الشخصيات المقدسة لكل شعب ،توقفت وراحت تتحدث عن مقتل القسيس وعن تخريب الكنيسة ليظهر للجميع مدى وحشية المسلمين وليظن الجميع أن اﻹسلام هو دين عنف وسفك الدماء..
وأتساءل هنا: يوجد العديد من العهود والوثائق النبوية يأمر فيها النبي المسلمين بأن يكونوا على علاقة طيبة يسودها السلام والتعاون مع اﻵخرين من الديانات اﻵخرى. .لماذا يوجد تعتيم كامل على هذه الوثائق.؟ لماذا كل شيء في اﻹسلام عندما يكون له علاقة بالعنف يظهر بسهولة وينتشر في جميع وسائل اﻹعلام العالمية. ...أين علماء المسلمين. ...لماذا كلام رسول الله عن الخير والمحبة والتسامح الذي يعبر عن روح اﻹسلام لا يسمعه اليوم حتى المسلمين أنفسهم.
وأنا أطلب الآن من كل قارئ أن يسأل نفسه ويسأل أصدقائه إذا كان يعلم أحدهم بوجود مثل هذه الوثائق ..للأسف نسبة الذين يعلمون بوجودها وبما كتب فيها ضئيل جدا جدا والسبب واحد وهو أن وسائل اﻹعلام العالمية والعربية تذكر كل شر يحدث ولا تتكلم عن الخير نهائيا ﻷنها تحت سيطرة جهل ثقافة العصر الحديث، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف (من كان يؤمن بالله واليوم اﻷخر فليقل خيرا أو ليصمت...) في الديانة المسيحية أيضا يقولون (إذا أردت أن يكون المجتمع سعيدا تكلم كثيراعن يسوع -عن الخير- أما إذا أردت تدمير المجتمع فتكلم كثيرا عن يسوع المزيف أي عن أعور الدجال رمز الشر ) وللأسف وسائل إعلام العصر الحديث بارعة جدا فقط في ذكر ووصف كل ما هو سيء يحدث في هذا العالم ، أما في ذكر الخير ووصفه فلا أدري إذا كان حقا يوجد نوع من الغباء والتغابي أو قصور متعمد في عدم ذكره! العلم عند الله.