خفقات

جُمان يوسف النتشة

جُمان يوسف النتشة

كلية الطب - جامعة القدس/ فلسطين

[email protected]

أستمع اللحظة إلى مقطوعة لها في قلبي ذكريات.. أو ربما هي فيه إعلانٌ لشرارة بدء.. تبعتها الأحداثُ فصارت ذكرياتٍ تخط نفسها في صفحاتي.. كلَّ يومٍ.. ومع كل شعور جديد..

والمشاعر كثيرة وموزعة في القلوب.. منها شعور بالانتماء وما يليه.. وشعور الأخوة والصداقات.. وشعورٌ بحب الطبيعة وبحب الجمال..

ومنها شعور الحبّ الخالص.. ومنه الشعور الأعظم والحبّ الأعظم، للخالق الأعظم.. يقودها جميعاً.. ويسيّرها!

وترتيب هذه المشاعر في القلوب عجيب، إذ يطغى بعضها على بعض.. أو نتلمّس كلاً منها مختلطاً.. أو نتعلّقه نقياً.. وحدَه..

ولكل منها تبعات نستشعرها معه.. فحبّ الطبيعة يولد حبّ الشمس والقمر والنجوم.. مسخرات بأمر الله..

وحبّ العصافير يولد عشق الحرية.. وبحب الورود نحب الألوان ونذكر الأمل.. ومن الأفق الواسع نتطلع للدنيا فنحلم.. وبرفق النسيم نتهلل للذكر!

إنّ الذي أسمعه الآن يستحثّ قلبي ليذكرَ شعوره الأول، ثم يذكر سلسلة الدفقات التي تبعته، ومن نفس البؤرة انطلقت جميعاً.. وفي نفس الكأس تصب..

والكأس الذي تصب فيه قد يكون رقيقاً جداً.. فينكسرُ قريباً.. إذ إنّ حرارة الدنيا أكثر من طاقة احتماله!

والكأس قد يصمد!

وإنّه إن صمد سيحفظ الذي تولّد فيهِ.. إلى الأبد!…

الغيوم كثيرة.. وكلها بيضاءُ.. وكلها ناعمةٌ.. وكلها تمطر…

لكنّ غيمةً واحدة هي التي ترسل قطراتها إليّ لما أسير تحتها.. وهي وحدها التي تربطني بمادة من السماء تسقي الأرض.. وإنها هي أصل مادة السماء.. وإني أنا مادة الأرض.. نلتقي معاً.. كالأقدار التي تمرّ عن كل البشر.. لكنها تختارهم اختياراً.. كلّ له قدر!

سبحان الله الذي منحنا التأمل في كونه.. ومنحنا التفكير في كونه.. ومنحنا كونه نفسَه!

فإنه مهما فهمنا، نبقى جهلاء.. ومهما جهلنا، يبقى في قلوبنا فهمٌ عجيب.. تعرفه هي عميقاً.. دون أن تترجمه لكلمات الدنيا التي نعرفها نحن.. تستشعره بنبضاتها.. ثم توزعه في ثنايا أجسادنا.. فنتملكه.. لكنْ بصمتنا.. وعيوننا.. وقلوبنا..

ولا طاقة لنا بترجمته أو نقله.. فإنه من الجزء الداخليّ الذي لا يخرج.. لا يخرج إلا للذي يقابله مادة ونوعاً.. لا يخرج إلا إلى قلب أو إلى عين..

وإنّه قد يخرج بصمتٍ.. فيُفهم الصمتُ الصمتَ.. ويلتقيان.. ونحن ما زلنا نجهل!

ربما هي خربشات.. لكني من داخلي أفهمها جيداً.. ولعل أحداً يقرأ فيفهمها، إذ قد شاء ربي أن يكون فهمه كفهمي.. ولعل أحداً يقرأ فلا يفهمها، إذ قد شاء ربي أن يكون فهمه آخر.. غير فهمي…

الغيومُ ستمطر قريباً.. وستُحل الألغاز الكثيرة التي تترابط حول القلوب.. وسينتهي الجهاد في زمنٍ ليس ببعيدٍ حتماً..

إذ إنّ الذي يجاهد يتعب!.. لكنه بعد جهاده ينال راحة أبدية خالدة.. تجعل كل لحظة من لحظات جهاده متعة في ذكرها.. ومتعة في نصرها…

اللهم افتح علينا فتوح العارفين.. واجعل ألسنتنا عامرة بذكرك، وقلوبنا بخشيتك، وأسرارنا بطاعتك.. إنك على كل شيء قدير!

حسبنا الله، ونعم الوكيل…