معارج الروح إلى حبيب غائب

ياسين سليماني

[email protected]

لولا أنّي أبقيتك حيّاً في داخلي كوردة لا تذوي ولا تنكسر، ولولا أنّي عرفتك حبيباً رقيقا غير قابل للموت ، لانتحرت أو... لانتحرت.

حين تشرق الشمس متثائبة من مخدعها الملكي وأفتح نافذة غرفتي لألتقط أشعّتها الصباحيّة الأولى أسمعها تقول لي: صباح الخير. وأردّ: أصبحنا وأصبح الملك لربّ العالمين كما حفظته عن جدّتي.

وأراها تريد شرب فنجان قهوة صباحيّة معي ، فأرجع النافذة كما كانت وأذهب لأغسل وجهي وسؤال لا ينفكّ يستثيرني: هل أنا في خير؟

وتلحق السؤالَ على عجلٍ ابتسامة سخرية: هل هناك خير بعد رحيلك؟

حين أجلس في فناء بيتنا العتيق ، على كرسيٍّ من خشبٍ اشتريته منذ نحو عامين ، أذكر، في اليوم ذاته الذي نلت فيه البكالوريا للمرّة الثانية ، أبدأ في غسل وجهي وسؤال الماء وهو يندلق على محيّي ينطرح بفظاظة : هل نمتَ حتّى تغسل وجهك وتستفيق؟

أجل، لم أنم ، فقد بتّ ليلة بأكملها أفكّر فيك...

جميع أسرتي يصبّحون عليّ بالخير وأردّ عليهم ردوداً شتّى ، هي مراوغات خبيثة لثعلب أكثر من ابن أسرة تحبّه ويحبّها ، دون أن أقول كلمة "خير".

السؤال نفسه: هل بقيَ هناك خير منذ رحلت؟

أفكّر في هذا الموضوع كثيرا ، أحيانا أضحك على نفسي فأقول بأنّي في الأطوار الأخيرة من الجنون وأحيانا أخرى أقول: من أحبَّ فلا بُدَّ له أن يمرّ بالجنون ... هكذا... دون سبب ودون نتيجة...

فنجان الشاي وضعته أمّي أمامي... أبدأ بملاعق السكّر، واحدة... اثنتان ... ثلاثة، وأنا في غياهب التفكير يوسف جديد لم يرْمه إخوتُه ولكن رماه حبيب هو أنت في بئر عميق من الجوى...

يفيض الفنجان بما فيه ويصرخ أخي الصغير: ما هذا الذي فعلته؟ أنسيت أنّ السكّر بثمانين دينارا والشاي مثله؟ (كان يكذب فالشاي بثلاثين واشتريته من جيبي عكس السكر)

أنتبه إليه متسائلا: هل وضعت أمّي الشاي؟

آآآه لست بـ "خير" اليوم ... أنا بـ"شر" أنا معلول بك...

وتبقى أمّي بعد ما سمعت ما قاله أخي وما قلته أنا ، تُحدّق بي كأنّها تراني لأوّل مرّة.

أحيانا تُسرُّ إلى أختي الكبرى: أخوكِ لا بدّ له من طبيب نفساني ( أو مصحّة عقليّة لمَ لا؟) الله يستره... فيما لا تجيبها أختي بشيء مُفضّلةً متابعة حركاتي البلهاء صباحئذٍ.

أفكّر بعض الوقت فيما وصلني ن كلام أمّي فأجد أنّ الحل الأمثل هو العودة إلى غرفتي و"محاولة النوم" على الأقل حين أغمض عينيّ تتراءى لي أنتَ بهيّاً ملائكيّاً فأعود إلى بعض طبيعتي مُتشوّقاً متلهّفا...

أصبحت أحيا في النوم وأموت في اليقظة بسببك ... فمبارك لك هذا...