يوم نجاح صغيرتي

(من يوميات امرأة محاصرة في غزة)

سما حسن -فلسطين

تكتشف أن كل شيء في غزة ناقصا ومحاصرا،كل شيء حولك معلقا، لا تستطيع أن تكمل أي شيء،أو أن تتم عملا أو هدفا،اليوم عادت ابنتي تسبقها فرحتها وهي تلوح بشهادتها المدرسية التي كانت تحملها بيدها رغم المطر المنهمر، كانت الشهادة الورقية مبتلة تماما، وهرعت بها فوق الموقد لاجففها، وكانت الكهرباء مقطوعة كالعادة في هذا المساء حين عادت الصغيرة حيث تدرس بالفترة المسائية في مدرسة تابعة للأونروا التي تعاني أصلا من اكتظاظ الفصول، فتضطر إلى تقسيم المراحل الدراسية إلى فترتين صباحية ومسائية، حين دلفت الصغيرة من باب البيت، تذكرت شهادتي التي كنت أفرح بها وأعود لأقدمها لجدي والذي كان لا يجيد القراءة، ولكنه كان يفرح بها ويطلب مني ان أقرأها على مسامعه، ويدس يده الطيبة المجعدة في جيب" القمباز" ليعطيني مبلغا من المال أفرح به وأطبع قبلة على يده.

كان جدي يعشق تقبيل اليد لدرجة لا أتخيلها، وتترقرق الدموع في عينيه البنيتين حين أفعل ذلك مرارا وتكرارا، وحين رأيت طفلتي تذكرت هذا المشهد الذي غيبته ذاكرتي سنوات كثيرة، فطفرت دمعة واحتضنت صغيرتي ألثمها واجفف الدمعة بمريولها المخطط بالأزرق والأبيض.

قالت  الصغيرة: ماما بدي تعملي لي" كيكة".

قلت لها: الكيكة لعيد الميلاد مش للنجاح.

ضربت قدمها اليمنى في الأرض محتجة وقالت: لا.. بدي كيكة.

سرحت وفكرت: الكيكة يعني أني بحاجة لفرن، وأنا لا أملك فرنا كهربائيا، ولو كان لدي فالكهرباء مقطوعة، كما أنني لن أجازف وأعد " كيكة" لتنقطع الكهرباء كل ربع ساعة، هذا في حال وجودها، كما أنني لا أملك اسطوانة غاز لتشغيل الفرن، والأهم والأدهي أنني مفلسة لا املك مالا لأشتري لها " كيكة".

قلت لها: ماما  كل الفلوس اللي معي يا دوب تكفي مصروف المدرسة……

ظهرت خيبة الأمل على وجه الصغيرة، ولم تنبس ببنت شفة، وبدأت في استبدال ملابسها، شعرت بانكسارها وبأن كل شيء في غزة يبدو ناقصا ومعلقا بالفعل، حين ارخى المساء سدوله على بيتي الصغير، اقترح ابني الاكبر أن يتنازل عن المصروف هو اخوته لمدة أسبوع كامل، قلت له: لا  …..لا يمكن ، كيف تروحوا المدرسة بدون مصروف

قال الصغير: انا لايهمني  لأن الأونروا بتوزع علينا وجبة مجانية كل يوم وبيكون فيها عصير وبسكويت أحيانا.

ابنتي الكبرى قالت: انا أقضي فسحة المدرسة في الدراسة ولا أجد الوقت لأتناول اي شيء……

أمام هذه المقترحات نقدت ابني الكبير مبلغا من المصروف الذي احتفظ به في أحد جيوب حافظتي،  وأسرع إلى السوق

على دراجته وتحت المطر،وبعد أقل من ربع ساعة عاد للبيت الصغير محملا بالكيكة المزينة وقد كتب عليها " مبارك نجاحك يا نونو"

ونونو هذا اسم الدلع للصغيرة

فرحت الصغيرة وصفقت …………

ولكن فرحتنا كانت ناقصة ومعلقة

لا كهرباء ولا غاز  لنعد الشاي لنشربه مع الكيكة، وسأضطر لاشعال البابور في هذا الجو العاصف …….

وأنا في العادة أضع البابور فوق سطح البيت لأتخلص من رائحة الغازات المنبعثة منه، ولأن شكله لا يتناسب مع ديكور مطبخي العصري……..

اقترح الصغار تناول الكيكة بدون شاي حتى لا يرهقونني،ولكني كنت أتوق لفنجان من الشاي الساخن في هذا الجو البارد….

أقنعت نفسي بأن كل شي يجب أن يبقى معلقا وناقصا على أمل أن يأتي اليوم الذي تكتمل فيه فرحتي،

فرحتي أتخيلها حلقة كبيرة

ولكنها مقطعة من جهات كثيرة……..

متى ستكتمل؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

وكيف؟

لا أدري

وحتى لا أرهق نفسي بسؤالي التهمت أكبر قطعة من كيكة نجاح صغيرتي.