أيام القحط في غزة

(من يوميات امرأة محاصرة)

سما حسن -فلسطين

بالأمس باءت محاولتي بالفشل في العثور على اسطوانة غاز، أصبح الحديث عن الغاز والكهرباء كماالحديث عن الكائنات الفضائية التي يقال أنها تزور الأرض لماما ويراها بعض البشر  الذين يوصفون لاحقا بالمجانين والمخابيل، متنقلة من مكان لآخر لم أعثر على اسطوانة غاز من تلك التي يتم جلبها عبر الأنفاق الممتدة كأفاعي أرضية بين مصر وغزة، وحين كان يحدثني بعض الباعة عن وجودها لدى فلان أو علان،÷ فكأنما يحدثني عن صفقة أسلحة أو مخدرات سأقوم بها، وتخيلت نفسي نادية الجندي التي أجادت دور زعيمة العصابة الفاتنة في أفلامها.

بالعودة بالمزيد من اليأس إلى البيت البارد الذي خلا من الكهرباء التي كانت تنعشه وتبعث فيه الحياة، وجدت  ابني الكبير يمسك بالمذياع ويستمع إلى الأخبار بعد أن شحنه ببطاريات جافة صغيرة، فيما كان الصغير يتسلى بلعب البلى على السجادة المعتادة في غرفته، فيما يتمتم لنفسه بكلمات غير مفهومة، ولكنه حين رآني صاح في حنق: مر على انقطاع الكهرباء عشرون ساعة حتى الآن………

قررت ألا أفكر بأي شيء، لن افكر بأعمال البيت المتعطلة ، ولا عملي المتعطل على الحاسوب، ولا كل مشاريعي القادمة في الكتابة والبدء بسيرتي الذاتية كما وعدت صديقة، والتي تتشوق لقراءة قصة حياتي منذ أن لفظتني أمي لهذه الحياة، وأنا لا أعرف سر هذا التشوق لديها.

قررت أن أستلقي على السرير وأحملق في السقف، ولم أنس أن أمارس عادة مقيتة، وهي اني بمجرد أن أدلف لأي غرفة أضع يدي على مفتاح الكهرباء لأنيرها، سواء كانت هناك كهرباء أم لا، وحين أخرج أضع يدي ايضا على مفتاح الكهرباء، ويضحك صغاري على هذه العادة التي لا أزال امارسها رغم عدم وجود الكهرباء في البيت….

في الصيف ضحكت على الصغار وأدرت المروحة بعصا المكنسة، وظلت تتحرك بسرعة كبيرة وصحت جذلى وأنا أصفق كطفلة عابثة: ههههههههههههههههههههههههأجت الكهربا

الدنيا مش حر …..مافي حر….

والآن أفكر في الشتاء كيف سأضحك على صغاري، خلعت روبي الشتوي الثقيل، وصحت بالصغار: مافي برد

الجو دافي كتيييييييييييييييييييير.

حتى اني مش مشغلة الدفاية.

لم ترق الكذبة أو الدعابة للصغار ولم تقنعهم ولم يهللوا، كما توقعت خاصة أنني كنت أول من هرع للسرير وتدثر بكومة البطانيات والأغطية وصحت بهم: اللي بيحب امو يجي جنبها……

 تكورنا في السرير، وبدأت أحكي لهم الذكريات والحكايات عن أيام زمان، خاصة زمن الانتفاضة الأولى حين كنا نرجم الجنود بالحجارة لخمس سنوات، ولم تفكر اسرائيل بأن تقطع عنا الكهرباء أو الغاز ليوم واحد، حتى أن أحد قادتهم صاح بأبي حين توجه لاستخراج تصريحا للسفر وبلكنة عربية ثقيلة وهو يعرف نفسسه بانه من يهود المغرب: هل هذا جزاؤنا؟

ربيناكم  لسنوات على اللبن والزبادي المصنع من شركة تنوفا الاسرائيلية وفي النهاية ترجمونا بالحجارة.

كان رد أبي قاسيا ومهذبا: ولكننا كنا البقرة الحلوب التي صنعتم من حليبها اللبن…..

ضحك صغاري ، وقالوا: ليتنا عشنا أيام الانتفاضة الأولى طفولتنا التي نحن لا نعيشها الأن………..

أغمضت عينيّ وقلت لهم: أغلقوا عيونكم واحلموا.

ولكنني حين أغلقت عيناي وبدأت بالحلم، وجاء الحبيب والصديق وكل من أحب لعقلي في لحظة استرخاء رائعة

لم اشعر بالأيدي الصغيرة المتشبثة بي، فقد عادت الكهرباء فجأة  وهرع الصغار كل إلى حياته

الى التلفاز

والحاسوب

وتركوني وحيدة مع حلمي.