"ماتروشكا" الاستبداد
"ماتروشكا" الاستبداد
أحمد الخميسي . كاتب مصري
" ما تروشكا " هو اسم دمية روسية تتكون من نصفين ينطبق العلوي على السفلي في شكل عروس منتفخة. وعندما تنزع الجزء الأعلى تظهر لك في بطن العروس دمية أخرى أصغر تشبه الكبيرة تماما، تفتحها فتجد ثالثة، وهكذا حتى تصل إلي دمية صغيرة جدا بحجم عقلة الإصبع تشبه السابقات. أما الاسم " ماتروشكا " فإنه تدليل كلمة الأم الروسية . الاستبداد عندنا يشبه تلك ال " ماتروشكا " إنه يبدأ بإله كبير تتناسل على شاكلته بلا نهاية آلهة من مستبدين أقل حجما بالملاح ذاتها ، بداية من الوزراء ، ثم المسئولين ، ثم المديرين ، وصولا إلي مدرس لغة يعاقب تلميذة لأنها عبرت في مادة الإنشاء عن رأيها في الرئيس الأمريكي وإلي ضابط شرطة يتصور أن بوسعه إلقاء مواطن من شرفة بيت وإلي والد يقتل ابنته لأنه سمت بكيانها إلي الشعور بالحب.
إنها نفسية وعقلية وقانون الأم أصل الصغار كلهم . لكننا اعتدنا أن نرى فقط القسم الطافي من الاستبداد على سطح السياسة، حتى أننا لا ننتبه إلي أن زعماء المعارضة الذين يطالبون الحكومة بتداول السلطة هم أنفسهم صور معكوسة من الاستبداد ، لم يسمح واحد منهم بتداول السلطة داخل حزبه المعارض ! أما في المجال الثقافي فإن المسئولين عن كل الأجهزة الثقافية في مصر هم من المثقفين الذين تمت عسكرتهم، أو من عسكر تم طلاؤهم بلون ثقافي مع ألقاب علمية، يمارسون نيابة عن الأم دور الرقيب وعينه وأذنه ، ويضربون بيد من حديد وأخرى من ذهب، ويربطون العطايا والنشر والعروض المسرحية بالولاء لأشخاصهم ، فليس ثمة لجان من كتاب تجتمع وتقرر صلاحية نص مسرحي أو أدبي ، ثم يكون لرأيها قيمة أكثر تأثيرا من رأي مسئول ! وقد بحت أصوات الناس تطالب ناصر الأنصاري بنشر أعمال سلامة موسى أحد رواد التنوير لكن للأنصاري رأيا آخر، وهو وحده الذي يمشي ، وبحت أصوات الناس تطالب هدى وصفي بعرض نصوص جيدة ، لكن الرأي لها ، وهي أدرى بما ينفع وبما قد يضرها ، وهكذا الأمر في الصحف والمجلات الحكومية بل وغير الحكومية ، في اتحاد الكتاب والمجلس الأعلى للثقافة واتحاد الإذاعة والتلفزيون وغير ذلك . وما من حل إلا بإشاعة الديمقراطية داخل تلك المؤسسات عبر لجان ومؤتمرات مسموعة الصوت والقرار، لكي لا نرى في كل خطوة دمية صغيرة بملامح الدمية الأكبر، وبصوتها ، وببحلقة عينيها ، وبأرجحة ذراعيها في الهواء.