منطق "هم" و"نحن"
منطق "هم" و"نحن"
حارثة مجاهد ديرانية
في الإسلام تنقسم المسؤوليات إلى مسؤولية فردية وأخرى جماعية؛ فحرصك على الصلاة مثلاً هو مسؤولية فردية، فلست مكلفاً بما صلاه أو تركه فلان من الناس، وأما مقاومة استعمار الأجنبي والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فتلك كلها مسؤوليات جماعية، ونحن -في حقيقة الأمر- نتحمل جميعاً المسؤولية الجماعية؛ فهي مسؤولية أمة.
وإن من أمراضنا الحادة أننا اعتدنا أن نقول "هم" بدل "نحن"، فـ"هم" السبب وراء تخلف الأمة وفقرها، و"هم" وراء كذا وكذا. أما آن لنا الأوان أن ندرك أن "هم" هم "نحن" وإن اختلف اللفظ! ذلك أن كلاً منا يرى نفسه "أنا" ويرى الآخرين "هم"، وفي نهاية الأمر نكتشف أن الأمة تتكون من ألف وأربعمئة مليون "أنا" وأن "هم" غير موجودين أصلاً. إن "هم" هم مجرد أشباح! أشباح اخترعناها لنلقي اللوم عليها حينما نرى عجزنا وضعفنا وتخلفنا أمام بقية الأمم، وحينما نرى ما شاب أمتنا من النخر والفساد. وما أسهل أن تجد شخصاً غيرك لتلقي اللوم عليه وتستريح!
كلا! لا ينبغي لنا أن نقول "أنا" و"هم" ونحن إخوة متحدون كالجسد الواحد. إننا "نحن"، جسد واحد قوي ولسنا "أنا" و"هو" و"هي" و"هم"، شتاتاً متشرذمين، جسدٌ واحد إذا اشتكى منه عضو تداعت له سائر الأعضاء بالسهر والحمى، فكل منا يستشعر ألم أخيه، ويرى نفسه مسماراً صغيراً في آلة الأمة الجبارة التي تسير إلى هادف واحد وغاية موحدة نبيلة. إن الإسلام علمنا الأُخُوَّة والتعاون وأن المؤمنَ قويٌ بأخيه، ولو أننا وعينا هذا الدرس وحده دون غيره لكفى بجعلنا أمة قوية تزاحم بقية الأمم في تقدمها ورقيها.
إن "نحن" هي أول خطوة في سبيل الإصلاح والتغيير نحو الأفضل، وأما "هم" فإنها أقصر كلمة يمكن أن تجعل كلاً منا ينام في سريره ولا يعمل شيئاً، لأن "أنا" لا ذنب لها، والذنبَ كلَّه ذنبُ "هم"!!