وتمضي الحياة

وتمضي الحياة

خديجة وليد قاسم

(إكليل الغار)

مع ميلاد كل يوم..ومع إشراقة كل صباح ..ومع دفقات عبير الزهور الملاح .. تولد أرواحنا من جديد.. ترتدي حلة ذهبية قشيبة وكأنها في يوم عيد .. تتثنى راقصة بدلال عذب فريد .. تمدها أنسام البكور نفحات رقيقة.. تطربها أغاريد الطيور الصديقة ..تحلق عاليا في سماء التفاؤل والأمل ، تتسلح بعزيمة وتصميم على كثير من البذل والعطاء والعمل ..فلا تلبث أن تغوص في تضاريس الحياة ونتوءاتها التي تثقل كاهلها وتلقي بها في بحر مضطرب  الأمواج كثير الغضب والثوران ،ولا تلبث أن تجد نفسها في  أتون بعض من الغدر والخذلان .. حتى تغدو كطفل بائس  شريد أو كمسكين متعب طريد  يتلفت هنا وهناك بحثا عن كسرة خبزتسد رمقه.. أونظرة عطف تلطف حزنه..أو كلمة طيبة تشنّف أذنه ، فلا يكاد يظفر منها إلا بالقليل  ،  إن عطفت عليه شجرة الحياة الوارفة وحوته في بعض من ظلها الظليل ..

وما بين شد وجذب و إقدام وإحجام .. وما بين رجفة البرد ، وإرهاق الحر الذي ما منه بُد .. تغدو كفراشات هائمة تبحث عن زهرات تمدها رحيق الحياة.. حتى إذا أدركتها ونالت مبتغاها.. وقفت على بوابة الأفق تنتظر غيمة سابحة تتوسدها وتلقي بأحمالها عليها .. تستعيرمنها ماء تغسل به ما نالها من كدر في نهارها ..ترتوي من بعضها لتذهب عنها أثرا من لهيب الدنيا وأوارها  ...وقبل أن تخلد على سرير ذكرياتها وآمالها تخلع  ثوبها الصباحي الذي ما عاد قشيبا مذ غير لونه عجاج الطريق ولواعجه وما عاد مبهجا إذ آن لها أن تكتسي رداء الليل المهيب وتنضوي تحت سطوته ،  ليكون آخر عهدها حديثا ناعسا مستكينا  تبثه آمالها  أن تستيقظ على مداعبات خيوط شمس تهديها ثوبا آخر يليق بها  ، تلك الأرواح التي تترقب  دوما عيدها الصباحي،  ذلك العيد  الذي يفتح لها دروب الحياة.